حين يكون الفساد ملائكيا
بقلم: حمزة مصطفى
تباهى مرة أحد كبار مسؤولينا بأن أهم ميزة في حكوماتنا التي رأت النور بعد التغيير العام 2003 هي إنها “ملائكية”. سبب ملائكيتها لكونها تضم كل مكونات الشعب العراقي بدون استثناء. وهذه طبعا حقيقة ولكنها للأسف حقيقة مرة. بل ربما هي الحقيقة الأكثر مرارة منذ أول حكومة رأت النور في العالم القديم والجديد. المسؤول نفسه وفي معرض حديثه عن الفساد ذات مرة أقر بصعوبة محاربته قائلا” أن لهذا الفساد جيوشا تحميه. القسمة ضيزى والمعادلة مقلوبة. فكيف يمكن أن تكون حكومة ملائكية وفي الوقت نفسه تحمي الفساد بجيوش”. لايتسع المجال لمزيد من النقاش بشأن التناقض الجوهري بين الملائكية والفساد. لكن حين نتأمل ما يجري الآن على صعيد التظاهرات، فإن اللافت للنظر أن كل أبناء الطبقة السياسية الذين يتظاهر المواطنون ضدهم يدعمون هذه التظاهرات.وهو ما يعني إقرارا علنيا لا ضمنيا بالفشل. الأمر لا يتعلق بالكهرباء فقط، برغم أن هذه الخدمة الضرورية للانسان والتي هي في صلب عمل أية حكومة هي ليست من عجائب الدنيا السبع ولا رحلة الى المريخ. الدول صغيرها وكبيرها،غنيها وفقيرها، تنعم شعوبها بالكهرباء لسبب بسيط وهي إنها أسهل ما تكون لدى أية حكومة بما في ذلك حكومات الدول التي لا أموال طائلة لديها مثل بلد نفطي كالعراق. لانريد الذهاب بعيدا، فحين يكون الرقم الذي إنفق على الكهرباء منذ العام 2003 وحتى اليوم يتعدى الـ 40 وأحيانا 50 مليار دولار مثلما يقول السادة المسؤولون أنفسهم دون فائدة، فإن هذا يعني فقدان البوصلة الخاصة ببناء دولة وليس مجرد محطة لتوليد الكهرباء. الأمر بات أبعد من ذلك، فالفشل في حسم ملف الكهرباء ترجع أسبابه المباشرة وغير المباشرة الى كل الحكومات التي تولت السلطة بعد العام 2003 برغم إنها كلها بدون استثناء حكومات منتخبة من قبل الشعب المتظاهر نفسه.المفارقة أن الشعب بات يشعر بالندم على ما منحه من ثقة لطبقة سياسية ربما أخذه الوهم بقدرتها على تحقيق أحلامه المنقولة وغير المنقولة، فضلا عن مظلومياته التليد منها والطارف. وفي ساحة التحرير التي تحولت الى رمز لرفض الفساد المتجذر في الطبقة السياسية، كهربائي هذا الفساد أو غير كهربائي، فإن المتظاهرين الذين لم يعودوا أبناء التيار او الحراك المدني او الديمقراطي بل عموم المواطنين من اتجاهات وتيارات مختلفة، باتوا يشكون ظلم حكومات التغيير بالكيفية نفسها التي كانوا يتظلمون بصمت من حكومات ودكتاتوريات ما قبل التغيير. الفرق يكمن في النوع لا في الدرجة. فالحقبة الدكتاتورية لم تكن تسمح بأي شكل من أشكال التظاهر الا دعما للحاكم عبر هتاف واحد “بالروح بالدم” بينما تفتخر اليوم الجهات الرسمية المسؤولة أن حق التظاهر مكفول بموجب المادة 38 من الدستور العراقي. القضية أبعد من حق التظاهر من عدمه. بل حق الحياة. فحين تتعدى درجة الحرارة الخمسين في آب اللهاب يصبح الحديث عن الدستور والديمقراطية والشفافية .. حديث خرافة يا أم عمرو.
تباهى مرة أحد كبار مسؤولينا بأن أهم ميزة في حكوماتنا التي رأت النور بعد التغيير العام 2003 هي إنها “ملائكية”. سبب ملائكيتها لكونها تضم كل مكونات الشعب العراقي بدون استثناء. وهذه طبعا حقيقة ولكنها للأسف حقيقة مرة. بل ربما هي الحقيقة الأكثر مرارة منذ أول حكومة رأت النور في العالم القديم والجديد. المسؤول نفسه وفي معرض حديثه عن الفساد ذات مرة أقر بصعوبة محاربته قائلا” أن لهذا الفساد جيوشا تحميه. القسمة ضيزى والمعادلة مقلوبة. فكيف يمكن أن تكون حكومة ملائكية وفي الوقت نفسه تحمي الفساد بجيوش”. لايتسع المجال لمزيد من النقاش بشأن التناقض الجوهري بين الملائكية والفساد. لكن حين نتأمل ما يجري الآن على صعيد التظاهرات، فإن اللافت للنظر أن كل أبناء الطبقة السياسية الذين يتظاهر المواطنون ضدهم يدعمون هذه التظاهرات.وهو ما يعني إقرارا علنيا لا ضمنيا بالفشل. الأمر لا يتعلق بالكهرباء فقط، برغم أن هذه الخدمة الضرورية للانسان والتي هي في صلب عمل أية حكومة هي ليست من عجائب الدنيا السبع ولا رحلة الى المريخ. الدول صغيرها وكبيرها،غنيها وفقيرها، تنعم شعوبها بالكهرباء لسبب بسيط وهي إنها أسهل ما تكون لدى أية حكومة بما في ذلك حكومات الدول التي لا أموال طائلة لديها مثل بلد نفطي كالعراق. لانريد الذهاب بعيدا، فحين يكون الرقم الذي إنفق على الكهرباء منذ العام 2003 وحتى اليوم يتعدى الـ 40 وأحيانا 50 مليار دولار مثلما يقول السادة المسؤولون أنفسهم دون فائدة، فإن هذا يعني فقدان البوصلة الخاصة ببناء دولة وليس مجرد محطة لتوليد الكهرباء. الأمر بات أبعد من ذلك، فالفشل في حسم ملف الكهرباء ترجع أسبابه المباشرة وغير المباشرة الى كل الحكومات التي تولت السلطة بعد العام 2003 برغم إنها كلها بدون استثناء حكومات منتخبة من قبل الشعب المتظاهر نفسه.المفارقة أن الشعب بات يشعر بالندم على ما منحه من ثقة لطبقة سياسية ربما أخذه الوهم بقدرتها على تحقيق أحلامه المنقولة وغير المنقولة، فضلا عن مظلومياته التليد منها والطارف. وفي ساحة التحرير التي تحولت الى رمز لرفض الفساد المتجذر في الطبقة السياسية، كهربائي هذا الفساد أو غير كهربائي، فإن المتظاهرين الذين لم يعودوا أبناء التيار او الحراك المدني او الديمقراطي بل عموم المواطنين من اتجاهات وتيارات مختلفة، باتوا يشكون ظلم حكومات التغيير بالكيفية نفسها التي كانوا يتظلمون بصمت من حكومات ودكتاتوريات ما قبل التغيير. الفرق يكمن في النوع لا في الدرجة. فالحقبة الدكتاتورية لم تكن تسمح بأي شكل من أشكال التظاهر الا دعما للحاكم عبر هتاف واحد “بالروح بالدم” بينما تفتخر اليوم الجهات الرسمية المسؤولة أن حق التظاهر مكفول بموجب المادة 38 من الدستور العراقي. القضية أبعد من حق التظاهر من عدمه. بل حق الحياة. فحين تتعدى درجة الحرارة الخمسين في آب اللهاب يصبح الحديث عن الدستور والديمقراطية والشفافية .. حديث خرافة يا أم عمرو.