الرد بوحدة بغداد ودمشق
بقلم: سميح صعب
صدرت مؤخرا تصريحات عدة عن مسؤولين اميركيين في شأن العراق لا يمكن الا التوقف عندها على الرغم من الايضاحات التي كانت تصدر عقب كل موقف من هذه المواقف التي ربما يراد منها ان تكون بمثابة بالونات اختبار او ان تشكل مقدمات لاحداث متوقعة. فهذا قائد اركان الجيش الاميركي المنتهية ولايته الجنرال ريموند اديرنو يرى ان تحقيق المصالحة بين الشيعة والسنة في العراق تزداد صعوبة وان التقسيم “ربما يكون الحل الوحيد” لتسوية النزاع الطائفي الذي يمزقه. وقبل اديرنو نقلت مجلة “الفورين بوليسي” عن رئيس وكالة استخبارات الدفاع في البنتاغون “ان العراق قد لا يعود دولة موحدة”. وقبل عام بالضبط دعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى ما سماه “فيدرالية فاعلة” في العراق على اساس طائفي
وعرقي.
وعندما كانت تصدر استنكارات من الحكومة العراقية لهذه المواقف، كانت تصدر مواقف عن البيت الابيض او وزارة الخارجية الاميركية تؤكد التشبث بوحدة العراق وسلامة اراضيه. لكن كل ذلك ما كان ليقلل من وقع الدعوات الى التقسيم او الفيدرالية التي تعني تقسيما مقنعا على اساس مذهبي وعرقي. وما لا يرقى اليه شك ان التصريحات الاميركية تغذيها احداث متسارعة على الارض لا سيما منذ احتلال تنظيم “داعش” الارهابي مدينة الموصل في حزيران الماضي وتوسعه ليس في العراق فحسب وانما في سوريا ايضا واعلانه “خلافة اسلامية” عاصمتها مدينة الرقة السورية التي سيطر عليها التنظيم عام
2013 .
ان طرح التقسيم في العراق، هو اهون السبل للهروب من المواجهة المتمثلة بصعود التنظيمات الارهابية، إذ ثمة داخل الادارة الاميركية من يعتقد ان المواجهة مع الارهاب قد تعيد جر الولايات المتحدة الى التورط مباشرة في المنطقة، الامر الذي يرفضه الكثيرون داخل الادارة وهم لذلك يرون ان التقسيم ليس للعراق وحده وانما باقي المنطقة على اساس طائفي وعرقي ، هو الحل الواقعي للخروج من الصراع السني-الشيعي الذي يمتد من العراق الى سوريا واليمن وبقية دول المنطقة التي يوجد فيها سنة وشيعة، وهذا ينطبق على السعودية والبحرين والكويت ودولة الامارات ولبنان، مما يضع المنطقة بكاملها امام سيناريو كارثي وحروب دينية اين منها الحروب الدينية التي استمرت مئة عام في اوروبا وهددت كثيرا من دول القارة
بالفناء.
ويبدو ان اصحاب نظيرة التقسيم في العراق واهمون اذا ما اعتقدوا ان قيام كيانات على اساس طائفي وعرقي يمكن ان يحقق السلام في الشرق الاوسط او يشكل حلا للصراع الطائفي الذي هو في الحقيقة صراع سياسي يتغذى بالنار الطائفية. ومن هنا لن يكون التقسيم الا مرحلة من مراحل الصراع ولن يشكل نهاية له، لأن الحروب لن تلبث ان تنشب بين الكيانات الطائفية او العرقية الناشئة وفق ما تدل التجارب
التاريخية.
كما ان التقسيم يعد مكافأة لـ”داعش” والتنظيمات الارهابية الاخرى التي غذت الصراع المذهبي في العراق وسوريا وسائر المنطقة. ولذلك فإن قيام كيانات طائفية لن يكون وسيلة للقضاء على الارهاب، باعتبار ان اي كيان طائفي سيكون المتشددون من هذه الطائفة او تلك هم الفئة المهيمنة في هذا الكيان او ذاك.
وفضلا عن ذلك فإن قيام دول دينية طالما كانت تطرحها اسرائيل كي تبرر وجودها في المنطقة. وعندما تقوم دول طائفية حول اسرائيل، فإن ذلك يعني تلقائيا خدمة لدعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يدعو الفلسطينيين والعرب الى الاعتراف ب”يهودية اسرائيل” منطلقا لاية تسوية للقضية الفلسطينية. وعندما تنشأ دول سنية واخرى شيعية في الشرق الاوسط، فإن اسرائيل تكون قد عثرت على مبرر
وجودها.
ولذلك تنطوي الدعوات الى تقسيم العراق على الكثير من الخبث والاهداف المبيتة اكثر منها الهدف المعلن بايجاد حل للنزاع الطائفي بين السنة والشيعة. واذا كانت الحروب الدائرة في العراق وسوريا اليوم ترتدي في بعض وجوهها صبغة طائفية ، فإن اسباب هذه الحروب يكمن في السياسة ولا تعدو الطائفية سوى ان تكون هي الاداة المستخدمة للتعبئة ضد الخصم. أما اطفاء هذه الحروب فيكون بوضع ستراتيجية فاعلة لمواجهة الارهاب وليس من خلال التسليم بالامر الواقع الذي يفرضه الصراع ضد التنظيمات الارهابية التي تدرك الولايات المتحدة قبل غيرها كيف نشأت هذه التنظيمات وكيف تتغذى وكيف يجري توظيفها من قبل دول اقليمية من اجل تحقيق مكاسب سواء في العراق او سوريا او في سبيل مواجهة نفوذ ايران في المنطقة حتى غدت هذه التنظيمات من القوة بحيث تنقلب في كثير من الاحيان على مشغليها وتتمرد على داعميها بعدما شعرت بانها باتت من القوة بحيث تسعى الى فرض اجندتها الخاصة التي تتعارض احيانا مع اجندات الاطراف الداعمة لها.
منذ انطلاق الاضطرابات في سوريا ونمو التنظيمات الارهابية في ظل الفوضى الامنية والسياسية في هذا البلد، استفادت هذه التنظيمات من الدعم الذي توفر لها في سوريا كي تعود الى العراق بعدما كانت بغداد نجحت في القضاء على “القاعدة” قبل عام 2011.
وها هو الارهاب اليوم يفتك بسوريا والعراق معا ويهدد وجود البلدين، ولن يكون الحل بالتقسيم الاتي من اميركا او من غيرها وانما يكون بتضافر جهود بغداد ودمشق معا ضد الارهاب تماما كما توحد الارهاب ضد بغداد ودمشق. من هنا يبدأ
الحل.
• كاتب وصحفي لبناني
صدرت مؤخرا تصريحات عدة عن مسؤولين اميركيين في شأن العراق لا يمكن الا التوقف عندها على الرغم من الايضاحات التي كانت تصدر عقب كل موقف من هذه المواقف التي ربما يراد منها ان تكون بمثابة بالونات اختبار او ان تشكل مقدمات لاحداث متوقعة. فهذا قائد اركان الجيش الاميركي المنتهية ولايته الجنرال ريموند اديرنو يرى ان تحقيق المصالحة بين الشيعة والسنة في العراق تزداد صعوبة وان التقسيم “ربما يكون الحل الوحيد” لتسوية النزاع الطائفي الذي يمزقه. وقبل اديرنو نقلت مجلة “الفورين بوليسي” عن رئيس وكالة استخبارات الدفاع في البنتاغون “ان العراق قد لا يعود دولة موحدة”. وقبل عام بالضبط دعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى ما سماه “فيدرالية فاعلة” في العراق على اساس طائفي
وعرقي.
وعندما كانت تصدر استنكارات من الحكومة العراقية لهذه المواقف، كانت تصدر مواقف عن البيت الابيض او وزارة الخارجية الاميركية تؤكد التشبث بوحدة العراق وسلامة اراضيه. لكن كل ذلك ما كان ليقلل من وقع الدعوات الى التقسيم او الفيدرالية التي تعني تقسيما مقنعا على اساس مذهبي وعرقي. وما لا يرقى اليه شك ان التصريحات الاميركية تغذيها احداث متسارعة على الارض لا سيما منذ احتلال تنظيم “داعش” الارهابي مدينة الموصل في حزيران الماضي وتوسعه ليس في العراق فحسب وانما في سوريا ايضا واعلانه “خلافة اسلامية” عاصمتها مدينة الرقة السورية التي سيطر عليها التنظيم عام
2013 .
ان طرح التقسيم في العراق، هو اهون السبل للهروب من المواجهة المتمثلة بصعود التنظيمات الارهابية، إذ ثمة داخل الادارة الاميركية من يعتقد ان المواجهة مع الارهاب قد تعيد جر الولايات المتحدة الى التورط مباشرة في المنطقة، الامر الذي يرفضه الكثيرون داخل الادارة وهم لذلك يرون ان التقسيم ليس للعراق وحده وانما باقي المنطقة على اساس طائفي وعرقي ، هو الحل الواقعي للخروج من الصراع السني-الشيعي الذي يمتد من العراق الى سوريا واليمن وبقية دول المنطقة التي يوجد فيها سنة وشيعة، وهذا ينطبق على السعودية والبحرين والكويت ودولة الامارات ولبنان، مما يضع المنطقة بكاملها امام سيناريو كارثي وحروب دينية اين منها الحروب الدينية التي استمرت مئة عام في اوروبا وهددت كثيرا من دول القارة
بالفناء.
ويبدو ان اصحاب نظيرة التقسيم في العراق واهمون اذا ما اعتقدوا ان قيام كيانات على اساس طائفي وعرقي يمكن ان يحقق السلام في الشرق الاوسط او يشكل حلا للصراع الطائفي الذي هو في الحقيقة صراع سياسي يتغذى بالنار الطائفية. ومن هنا لن يكون التقسيم الا مرحلة من مراحل الصراع ولن يشكل نهاية له، لأن الحروب لن تلبث ان تنشب بين الكيانات الطائفية او العرقية الناشئة وفق ما تدل التجارب
التاريخية.
كما ان التقسيم يعد مكافأة لـ”داعش” والتنظيمات الارهابية الاخرى التي غذت الصراع المذهبي في العراق وسوريا وسائر المنطقة. ولذلك فإن قيام كيانات طائفية لن يكون وسيلة للقضاء على الارهاب، باعتبار ان اي كيان طائفي سيكون المتشددون من هذه الطائفة او تلك هم الفئة المهيمنة في هذا الكيان او ذاك.
وفضلا عن ذلك فإن قيام دول دينية طالما كانت تطرحها اسرائيل كي تبرر وجودها في المنطقة. وعندما تقوم دول طائفية حول اسرائيل، فإن ذلك يعني تلقائيا خدمة لدعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يدعو الفلسطينيين والعرب الى الاعتراف ب”يهودية اسرائيل” منطلقا لاية تسوية للقضية الفلسطينية. وعندما تنشأ دول سنية واخرى شيعية في الشرق الاوسط، فإن اسرائيل تكون قد عثرت على مبرر
وجودها.
ولذلك تنطوي الدعوات الى تقسيم العراق على الكثير من الخبث والاهداف المبيتة اكثر منها الهدف المعلن بايجاد حل للنزاع الطائفي بين السنة والشيعة. واذا كانت الحروب الدائرة في العراق وسوريا اليوم ترتدي في بعض وجوهها صبغة طائفية ، فإن اسباب هذه الحروب يكمن في السياسة ولا تعدو الطائفية سوى ان تكون هي الاداة المستخدمة للتعبئة ضد الخصم. أما اطفاء هذه الحروب فيكون بوضع ستراتيجية فاعلة لمواجهة الارهاب وليس من خلال التسليم بالامر الواقع الذي يفرضه الصراع ضد التنظيمات الارهابية التي تدرك الولايات المتحدة قبل غيرها كيف نشأت هذه التنظيمات وكيف تتغذى وكيف يجري توظيفها من قبل دول اقليمية من اجل تحقيق مكاسب سواء في العراق او سوريا او في سبيل مواجهة نفوذ ايران في المنطقة حتى غدت هذه التنظيمات من القوة بحيث تنقلب في كثير من الاحيان على مشغليها وتتمرد على داعميها بعدما شعرت بانها باتت من القوة بحيث تسعى الى فرض اجندتها الخاصة التي تتعارض احيانا مع اجندات الاطراف الداعمة لها.
منذ انطلاق الاضطرابات في سوريا ونمو التنظيمات الارهابية في ظل الفوضى الامنية والسياسية في هذا البلد، استفادت هذه التنظيمات من الدعم الذي توفر لها في سوريا كي تعود الى العراق بعدما كانت بغداد نجحت في القضاء على “القاعدة” قبل عام 2011.
وها هو الارهاب اليوم يفتك بسوريا والعراق معا ويهدد وجود البلدين، ولن يكون الحل بالتقسيم الاتي من اميركا او من غيرها وانما يكون بتضافر جهود بغداد ودمشق معا ضد الارهاب تماما كما توحد الارهاب ضد بغداد ودمشق. من هنا يبدأ
الحل.
• كاتب وصحفي لبناني