العراق السياسي ومفترق الطرق
بقلم: علي حسن الفواز
الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين، والإصلاح يحتاج الى وعي إصلاحي والى إرادة تجعل من هذا الإصلاح ممكنا. ما بين الديمقراطية والديمقراطيين هو ذاته ما بين الإصلاح والإرادة، فكلاهما يتطلبان بيئة صالحة، وقوى اجتماعية وسياسية مؤهلة لاستعمال الديمقراطية، ولتنفيذ برامج الإصلاح.الواقع العراقي ليس بعيدا عن هذه المعطيات، ولا أظنه يملك خصوصية في صناعة أنموذج قياسي للدولة الديمقراطية، لأن تعقيدات التاريخ السياسي العراقي، وطبيعة الأنظمة الحاكمة فيه منذ عام 1958 لم تؤهله لامتلاك القدرة ولا الإرادة على شرعنة البناء المهني للدولة بوصفها مؤسسة ونظاما.تاريخ العراق ارتبط بالانقلابات والعسكرة والحروب وحكومات الطوارئ والدساتير المؤقتة، وهذا بطبيعة الحال لا يساعد على صناعة الأنموذج، ولا على تراكم الخبرات الضامنة لمشروع الدولة، وحتى ما بعد عام 2003 حينما انهار النظام القديم بروحه الانقلابية، وهواجسه المحاربة لم تستطع القوى الجديدة أن تقدّم رؤية واضحة للدولة، بل أن فرضية الحاكم الأميركي بريمر أضحت هي القانون العرفي الذي صنع الكثير من الفخاخ لهذه الدولة بدءا من صيغة مجلس الحكم وانتهاء بالإجراءات التي شرعنت النظام المحاصصي في العراق، وكرست أوهام الطائفية داخل العمل المؤسسي وفي العلاقات الاجتماعية.قد لا أميل الى نظرية المؤامرة في التعاطي مع هذا الموضوع، وأسند بناء هذا النظام المشوه الى سياسة مقصودة، أو الى قراءة قاصرة للواقع العراقي، لكني أنحاز الى معطيات الواقع فأجدها أمامي قد نسجت لنا خيوطا متشابكة أسهمت في تعقيدها الجهالة السياسية، وطفيلية البعض، وغياب المهنية والمهنيين، وهذا بطبيعة الحال أسقط قيمة الديمقراطية من خلال ممارسات اللاديمقراطيين، وأسقط الرغبة الحقيقية عند الكثيرين لبناء الدولة المؤسساتية العادلة من خلال تعمّد البعض للأثرة والمصالح والفساد، وهو ما حدث فعلا منذ السنوات الأولى للتغيير، إذ تعثرت الخطوات الى بناء حقيقي لمؤسسة الدولة، والى تنظيم بنية مهنية وطنية واقعية تقود مشروع التنمية والتحضّر، فالكثير من المشاريع الموعودة كانت وهمية، والكثير من الإجراءات الأميركية كانت محسوبة بقياس المصالح لهذا الطرف أو ذاك، وكثيرا ما كانت تخصص المبالغ الكبيرة دون ضوابط وبلا مراجعة لمخرجاتها، وهذا ما ترك أثرا عند البعض بأن الأمور (فالتة) ولا من رقيب ولا حسيب، فأخذ مسؤولون مهمون في وزرات مثل الكهرباء والدفاع والصحة وغيرها يعقدون الصفقات الوهمية مقابل تخصيصات كبيرة جدا وعمولات أكبر مع شركات ثانوية، فضلا عن التعمّد في صناعة أزمات أمنية هنا أو هناك لتشتيت الوعي عن مراقبة ومعرفة ما يجري كما حدث في النجف وفي الفلوجة وفي مدينة الصدر وغيرها.الإصلاح والمراجعةاليوم وبعد أكثر من إثني عشر عاما بات الشارع العراق ساخطا على ما يجري، وعلى تحوّل الفساد والعجز السياسي والعوز القانوني الى (نظام) والى ممارسة لها من يقوم بها، ولها من يحميها، فانكشف الغطاء عن مظاهر غريبة، وعن مشكلات عميقة مسّت كل مفاصل الدولة، حتى وجدنا أنفسنا أمام (دولة مفلسة) رغم أنها كانت تملك عشرات المليارات من الدولارات، مثلما وجدنا أنفسنا أمام أوهام تخطيطية، وفشل تنظيمي وخدماتي غريب، لم تُسهم كل الإنفاقات الواقعية والوهمية في إنعاشه، وفي تضبيط وجوده في واقع سياسي وإقتصادي مأزوم، فضلا عن خطورة تفاقم المعاناة التي يواجهها الشعب جراء حروب الإرهاب السود، وغموض القوى الدولية والإقليمية التي تقف وراءها، والتي باتت محكومة بنوايا تعطيل العملية السياسية العراقية، وتشويه مسار الديمقراطية الناشئة، وتعطيل إرادة الديمقراطيين للتصدي لمواجهة استحقاقات التنمية والإصلاح.الشارع العراقي اليوم بتظاهراته يكشف عن موقف آخر، وعن مواجهة أخرى، إذ تتبنى هذه التظاهرات شعارات وعناوين ضاغطة للإصلاح، والمطالبة بمواجهة الفساد الذي نخر الدولة وتسبب في إفلاسها وعجزها ووضعها عند مفترق الطرق. وبقطع النظر عن طبيعة الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب في العراق وأزماته، إلاّ ان السياسات التي تم تنفيذها خلال هذه السنوات كانت كافية لتعطيل أية إرادة حقيقية للتغيير، وإيجاد موارد أخرى للثروة العراقية، ولبناء المؤسسات الخدماتية والثقافية والسياحية والصحية والعلمية والتعليمية، وبما يجعلها أكثر فاعلية في ضبط مسارات الاقتصاد، وخلق أفق واسع للتنمية البشرية والعلمية، ومواجهة تداعيات هبوط أسعار النفط أو الأزمات التي تحدث هنا أو هناك.تظاهرات الشارع العراقي وقفة احتجاجية للمراجعة، ولكشف الملفات التي أدّت الى حدوث هذه الأزمات، وهو ما يعني وضع الدولة بكل سلطاتها الثلاث أمام واقع جديد، يستدعي الصراحة والشفافية لكشف ما جرى، ولاتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المفسدين والمسؤولين عن العجز والفشل، وكذلك العمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه، والبدء بمشروع تغيير حقيقي تتمثله برامج إجرائية للإصلاح وإعادة هيكلة السياسات والمؤسسات غير الفاعلة، والمطالبة الجادة بإصلاح العمل المؤسساتي في بنية الحكومة والحد من ترهلها، ومن إنفاقها، وكذلك في مواجهة أزمة السلطة التشريعية وتحديد هويتها، وغيابها عن تشريع القوانين المهمة والضرورية، فضلا عن إصلاح السلطة القضائية التي تثار حولها الكثير من الشبهات.هذه التظاهرات نتيجة عميقة لأسباب ظلت للأسف مهملة ومغيبة، ولم يلتفت إليها الكثير من الساسة المشغولين بصراعات جانبية، وغير المؤهلين أصلا مهنيا وتاريخيا للتصدي لمشروع دولة حقيقية، وفي ظل ظروف معقدة على المستويات الأمنية والسياسية، وحتى الإقليمية الدولية، والتي وضعها البعض في حساب أجندات وصراعات ذات مرجعيات طائفية، إذ كان الإرهاب والعنف الأهلي واحدا من صورها البشعة، ومظهرا من مظاهر أجنداتها المدعومة من تركيا والسعودية وقطر وغيرها، والتي تتكئ على الشماعة الأميركية التي تدرك أن صناعة الحروب في المنطقة هي المشروع القادم لشرعنة وجود الشرق الأوسط الجديد والتي ينفّذ أجندته المغفلون من الحكام العرب.
الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين، والإصلاح يحتاج الى وعي إصلاحي والى إرادة تجعل من هذا الإصلاح ممكنا. ما بين الديمقراطية والديمقراطيين هو ذاته ما بين الإصلاح والإرادة، فكلاهما يتطلبان بيئة صالحة، وقوى اجتماعية وسياسية مؤهلة لاستعمال الديمقراطية، ولتنفيذ برامج الإصلاح.الواقع العراقي ليس بعيدا عن هذه المعطيات، ولا أظنه يملك خصوصية في صناعة أنموذج قياسي للدولة الديمقراطية، لأن تعقيدات التاريخ السياسي العراقي، وطبيعة الأنظمة الحاكمة فيه منذ عام 1958 لم تؤهله لامتلاك القدرة ولا الإرادة على شرعنة البناء المهني للدولة بوصفها مؤسسة ونظاما.تاريخ العراق ارتبط بالانقلابات والعسكرة والحروب وحكومات الطوارئ والدساتير المؤقتة، وهذا بطبيعة الحال لا يساعد على صناعة الأنموذج، ولا على تراكم الخبرات الضامنة لمشروع الدولة، وحتى ما بعد عام 2003 حينما انهار النظام القديم بروحه الانقلابية، وهواجسه المحاربة لم تستطع القوى الجديدة أن تقدّم رؤية واضحة للدولة، بل أن فرضية الحاكم الأميركي بريمر أضحت هي القانون العرفي الذي صنع الكثير من الفخاخ لهذه الدولة بدءا من صيغة مجلس الحكم وانتهاء بالإجراءات التي شرعنت النظام المحاصصي في العراق، وكرست أوهام الطائفية داخل العمل المؤسسي وفي العلاقات الاجتماعية.قد لا أميل الى نظرية المؤامرة في التعاطي مع هذا الموضوع، وأسند بناء هذا النظام المشوه الى سياسة مقصودة، أو الى قراءة قاصرة للواقع العراقي، لكني أنحاز الى معطيات الواقع فأجدها أمامي قد نسجت لنا خيوطا متشابكة أسهمت في تعقيدها الجهالة السياسية، وطفيلية البعض، وغياب المهنية والمهنيين، وهذا بطبيعة الحال أسقط قيمة الديمقراطية من خلال ممارسات اللاديمقراطيين، وأسقط الرغبة الحقيقية عند الكثيرين لبناء الدولة المؤسساتية العادلة من خلال تعمّد البعض للأثرة والمصالح والفساد، وهو ما حدث فعلا منذ السنوات الأولى للتغيير، إذ تعثرت الخطوات الى بناء حقيقي لمؤسسة الدولة، والى تنظيم بنية مهنية وطنية واقعية تقود مشروع التنمية والتحضّر، فالكثير من المشاريع الموعودة كانت وهمية، والكثير من الإجراءات الأميركية كانت محسوبة بقياس المصالح لهذا الطرف أو ذاك، وكثيرا ما كانت تخصص المبالغ الكبيرة دون ضوابط وبلا مراجعة لمخرجاتها، وهذا ما ترك أثرا عند البعض بأن الأمور (فالتة) ولا من رقيب ولا حسيب، فأخذ مسؤولون مهمون في وزرات مثل الكهرباء والدفاع والصحة وغيرها يعقدون الصفقات الوهمية مقابل تخصيصات كبيرة جدا وعمولات أكبر مع شركات ثانوية، فضلا عن التعمّد في صناعة أزمات أمنية هنا أو هناك لتشتيت الوعي عن مراقبة ومعرفة ما يجري كما حدث في النجف وفي الفلوجة وفي مدينة الصدر وغيرها.الإصلاح والمراجعةاليوم وبعد أكثر من إثني عشر عاما بات الشارع العراق ساخطا على ما يجري، وعلى تحوّل الفساد والعجز السياسي والعوز القانوني الى (نظام) والى ممارسة لها من يقوم بها، ولها من يحميها، فانكشف الغطاء عن مظاهر غريبة، وعن مشكلات عميقة مسّت كل مفاصل الدولة، حتى وجدنا أنفسنا أمام (دولة مفلسة) رغم أنها كانت تملك عشرات المليارات من الدولارات، مثلما وجدنا أنفسنا أمام أوهام تخطيطية، وفشل تنظيمي وخدماتي غريب، لم تُسهم كل الإنفاقات الواقعية والوهمية في إنعاشه، وفي تضبيط وجوده في واقع سياسي وإقتصادي مأزوم، فضلا عن خطورة تفاقم المعاناة التي يواجهها الشعب جراء حروب الإرهاب السود، وغموض القوى الدولية والإقليمية التي تقف وراءها، والتي باتت محكومة بنوايا تعطيل العملية السياسية العراقية، وتشويه مسار الديمقراطية الناشئة، وتعطيل إرادة الديمقراطيين للتصدي لمواجهة استحقاقات التنمية والإصلاح.الشارع العراقي اليوم بتظاهراته يكشف عن موقف آخر، وعن مواجهة أخرى، إذ تتبنى هذه التظاهرات شعارات وعناوين ضاغطة للإصلاح، والمطالبة بمواجهة الفساد الذي نخر الدولة وتسبب في إفلاسها وعجزها ووضعها عند مفترق الطرق. وبقطع النظر عن طبيعة الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب في العراق وأزماته، إلاّ ان السياسات التي تم تنفيذها خلال هذه السنوات كانت كافية لتعطيل أية إرادة حقيقية للتغيير، وإيجاد موارد أخرى للثروة العراقية، ولبناء المؤسسات الخدماتية والثقافية والسياحية والصحية والعلمية والتعليمية، وبما يجعلها أكثر فاعلية في ضبط مسارات الاقتصاد، وخلق أفق واسع للتنمية البشرية والعلمية، ومواجهة تداعيات هبوط أسعار النفط أو الأزمات التي تحدث هنا أو هناك.تظاهرات الشارع العراقي وقفة احتجاجية للمراجعة، ولكشف الملفات التي أدّت الى حدوث هذه الأزمات، وهو ما يعني وضع الدولة بكل سلطاتها الثلاث أمام واقع جديد، يستدعي الصراحة والشفافية لكشف ما جرى، ولاتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المفسدين والمسؤولين عن العجز والفشل، وكذلك العمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه، والبدء بمشروع تغيير حقيقي تتمثله برامج إجرائية للإصلاح وإعادة هيكلة السياسات والمؤسسات غير الفاعلة، والمطالبة الجادة بإصلاح العمل المؤسساتي في بنية الحكومة والحد من ترهلها، ومن إنفاقها، وكذلك في مواجهة أزمة السلطة التشريعية وتحديد هويتها، وغيابها عن تشريع القوانين المهمة والضرورية، فضلا عن إصلاح السلطة القضائية التي تثار حولها الكثير من الشبهات.هذه التظاهرات نتيجة عميقة لأسباب ظلت للأسف مهملة ومغيبة، ولم يلتفت إليها الكثير من الساسة المشغولين بصراعات جانبية، وغير المؤهلين أصلا مهنيا وتاريخيا للتصدي لمشروع دولة حقيقية، وفي ظل ظروف معقدة على المستويات الأمنية والسياسية، وحتى الإقليمية الدولية، والتي وضعها البعض في حساب أجندات وصراعات ذات مرجعيات طائفية، إذ كان الإرهاب والعنف الأهلي واحدا من صورها البشعة، ومظهرا من مظاهر أجنداتها المدعومة من تركيا والسعودية وقطر وغيرها، والتي تتكئ على الشماعة الأميركية التي تدرك أن صناعة الحروب في المنطقة هي المشروع القادم لشرعنة وجود الشرق الأوسط الجديد والتي ينفّذ أجندته المغفلون من الحكام العرب.