سوريا.. الحل الروسي أو التركي
بقلم: سميح صعب
على الرغم من تشديد المسؤولين الاميركيين بمختلف مستوياتهم على ان الحل في سوريا يجب ان يكون حلا سياسيا، وعلى الرغم من التقبل الاميركي للجهود الروسية المبذولة لدى المعارضة السورية بكل اطيافها ولدى النظام من اجل التوصل الى مقاربة مشتركة لتنفيذ بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران 2012، إلا ان الولايات المتحدة لا تزال تتمسك بمقاربتها الاولى للأزمة السورية القائمة على الدعوة الى رحيل الرئيس بشار الاسد مما يضعها في تناقض واضح مع المقاربة الروسية لهذه الازمة والقائمة على الدعوة الى ترك مصير الاسد الى الشعب السوري كي يقرر عبر الانتخابات ما اذا كان سيبقى ام سيرحل.
وليس أدل على ان الخلاف الاميركي – الروسي لا يزال مستحكما حول العملية السياسية في سوريا، الموقف الذي اعلنته وزارة الخارجية الاميركية لدى زيارة المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا مع المسؤولين الروس في موسكو الاسبوع الماضي، إذ كررت واشنطن ان الطريق الى الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا يجب ان يتضمن رحيل الاسد وان الطريق الى محاربة تنظيم «داعش» الارهابي سيتعزز بعد تنحي الرئيس السوري. هذا الموقف اتى ردا مباشرا وصريحا على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى جعل دمشق جزءا من جبهة اقليمية مشتركة لمواجهة الارهاب.
ويعود الموقف الاميركي بالأزمة السورية الى المربع الاول لا بل انه يعتبر ان بقاء الاسد في السلطة سيشكل عائقا امام محاربة «داعش»، في حين ان الجهود الروسية تقوم على جعل الحكومة السورية جزءا من منظومة اقليمية لمواجهة الارهاب. وهذا ما تعمل عليه روسيا في اتصالاتها الديبلوماسية مع الاطراف الاقليميين ولا سيما السعودية ومصر. واذا كان الطرح الروسي لا يجد حتى الآن تقبلا من الرياض وانقرة، فإن مصر ليست بعيدة عن الافكار الروسية وتريد التوصل الى حل يضمن وحدة الاراضي السورية ويقضي على الارهاب الذي يستنزف سوريا ويخوض ايضا حربا ضد مصر ايضا.
لكن الولايات المتحدة لا تزال رافضة لفكرة الدخول في عملية سياسية في سوريا من دون ان تضمن انها لن تشمل الاسد. واميركا في هذا الطرح هي اقرب الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يدعو الى القتال ضد «داعش» والنظام السوري معا، لا بل انه يجعل من قتال الاسد اولوية على قتال «داعش». ومن هنا يجري التنسيق الاميركي -التركي في ما يتعلق بتدريب ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة على الاراضي التركية والدفع بها الى الاراضي السورية تحت شعار مقاتلة «داعش» بينما يحمل التحذير الاميركي للجيش السوري النظامي من التعرض لـ»قوات سوريا الجديدة» اشارة ضمنية الى ان هؤلاء الذين يتلقون تدربيهم على ايدي وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، سيكونون هم نواة الجيش السوري الجديد الذي تعتزم اميركا انشاءه ليحل محل الجيش النظامي الحالي. ولا يقتصر التنسيق الاميركي – التركي على تدريب المعارضة «المعتدلة»، بل يتعدى ذلك الى تحديد «مناطق آمنة» داخل سوريا بهدف اتاحة حرية الحركة امام المعارضة السورية التي تقاتل النظام و»داعش». ويتناقض الاندفاع الاميركي نحو دعم المعارضة السورية عسكريا مع التصريحات التي تقول ان واشنطن لا تجد سبيلا غير الحل السياسي للخروج من الازمة السورية. ولعل ما تبذله اميركا من جهود مع تركيا على الصعيد العسكري، هو اقوى بكثير مما تبذله من جهد مع روسيا للدفع في اتجاه الحل السياسي. وكلما تقدمت المعارضة السورية في منطقة من المناطق السورية كلما تمسكت واشنطن بمطلب رحيل الاسد قبل الدخول في عملية تفاوضية حقيقية لانهاء الحرب السورية. ولا يبدو ان اميركا مستاءة كثيرا من تقدم «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في ادلب وحماه ما دام هذا التقدم يشكل عامل ضغط على النظام السوري رغم ان واشنطن تعتبر ان «النصرة» تنظيما ارهابيا رغم الجهود التركية والخليجية لتلميع صورتها. لقد ساد التفاؤل في الاسابيع الاخيرة باحتمال ان تشق الجهود السياسية في سوريا طريقها نحو التبلور اكثر مع تكثيف روسيا اتصالاتها مع مختلف الاطراف ومع صدور بيان رئاسي عن مجلس الامن يدعم جهود المبعوث الاممي الخاص ستيفان دي ميستورا، لكن يبدو ان كل هذا الزخم السياسي لم يقنع واشنطن بضرورة تبني مقاربة جديدة للازمة السورية تحت وطأة التحدي الكبير الذي يشكله اتساع نطاق التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن وتهديدها لدول الخليج نفسها.
*كاتب وصحفي لبناني
على الرغم من تشديد المسؤولين الاميركيين بمختلف مستوياتهم على ان الحل في سوريا يجب ان يكون حلا سياسيا، وعلى الرغم من التقبل الاميركي للجهود الروسية المبذولة لدى المعارضة السورية بكل اطيافها ولدى النظام من اجل التوصل الى مقاربة مشتركة لتنفيذ بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران 2012، إلا ان الولايات المتحدة لا تزال تتمسك بمقاربتها الاولى للأزمة السورية القائمة على الدعوة الى رحيل الرئيس بشار الاسد مما يضعها في تناقض واضح مع المقاربة الروسية لهذه الازمة والقائمة على الدعوة الى ترك مصير الاسد الى الشعب السوري كي يقرر عبر الانتخابات ما اذا كان سيبقى ام سيرحل.
وليس أدل على ان الخلاف الاميركي – الروسي لا يزال مستحكما حول العملية السياسية في سوريا، الموقف الذي اعلنته وزارة الخارجية الاميركية لدى زيارة المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا مع المسؤولين الروس في موسكو الاسبوع الماضي، إذ كررت واشنطن ان الطريق الى الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا يجب ان يتضمن رحيل الاسد وان الطريق الى محاربة تنظيم «داعش» الارهابي سيتعزز بعد تنحي الرئيس السوري. هذا الموقف اتى ردا مباشرا وصريحا على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى جعل دمشق جزءا من جبهة اقليمية مشتركة لمواجهة الارهاب.
ويعود الموقف الاميركي بالأزمة السورية الى المربع الاول لا بل انه يعتبر ان بقاء الاسد في السلطة سيشكل عائقا امام محاربة «داعش»، في حين ان الجهود الروسية تقوم على جعل الحكومة السورية جزءا من منظومة اقليمية لمواجهة الارهاب. وهذا ما تعمل عليه روسيا في اتصالاتها الديبلوماسية مع الاطراف الاقليميين ولا سيما السعودية ومصر. واذا كان الطرح الروسي لا يجد حتى الآن تقبلا من الرياض وانقرة، فإن مصر ليست بعيدة عن الافكار الروسية وتريد التوصل الى حل يضمن وحدة الاراضي السورية ويقضي على الارهاب الذي يستنزف سوريا ويخوض ايضا حربا ضد مصر ايضا.
لكن الولايات المتحدة لا تزال رافضة لفكرة الدخول في عملية سياسية في سوريا من دون ان تضمن انها لن تشمل الاسد. واميركا في هذا الطرح هي اقرب الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يدعو الى القتال ضد «داعش» والنظام السوري معا، لا بل انه يجعل من قتال الاسد اولوية على قتال «داعش». ومن هنا يجري التنسيق الاميركي -التركي في ما يتعلق بتدريب ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة على الاراضي التركية والدفع بها الى الاراضي السورية تحت شعار مقاتلة «داعش» بينما يحمل التحذير الاميركي للجيش السوري النظامي من التعرض لـ»قوات سوريا الجديدة» اشارة ضمنية الى ان هؤلاء الذين يتلقون تدربيهم على ايدي وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، سيكونون هم نواة الجيش السوري الجديد الذي تعتزم اميركا انشاءه ليحل محل الجيش النظامي الحالي. ولا يقتصر التنسيق الاميركي – التركي على تدريب المعارضة «المعتدلة»، بل يتعدى ذلك الى تحديد «مناطق آمنة» داخل سوريا بهدف اتاحة حرية الحركة امام المعارضة السورية التي تقاتل النظام و»داعش». ويتناقض الاندفاع الاميركي نحو دعم المعارضة السورية عسكريا مع التصريحات التي تقول ان واشنطن لا تجد سبيلا غير الحل السياسي للخروج من الازمة السورية. ولعل ما تبذله اميركا من جهود مع تركيا على الصعيد العسكري، هو اقوى بكثير مما تبذله من جهد مع روسيا للدفع في اتجاه الحل السياسي. وكلما تقدمت المعارضة السورية في منطقة من المناطق السورية كلما تمسكت واشنطن بمطلب رحيل الاسد قبل الدخول في عملية تفاوضية حقيقية لانهاء الحرب السورية. ولا يبدو ان اميركا مستاءة كثيرا من تقدم «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في ادلب وحماه ما دام هذا التقدم يشكل عامل ضغط على النظام السوري رغم ان واشنطن تعتبر ان «النصرة» تنظيما ارهابيا رغم الجهود التركية والخليجية لتلميع صورتها. لقد ساد التفاؤل في الاسابيع الاخيرة باحتمال ان تشق الجهود السياسية في سوريا طريقها نحو التبلور اكثر مع تكثيف روسيا اتصالاتها مع مختلف الاطراف ومع صدور بيان رئاسي عن مجلس الامن يدعم جهود المبعوث الاممي الخاص ستيفان دي ميستورا، لكن يبدو ان كل هذا الزخم السياسي لم يقنع واشنطن بضرورة تبني مقاربة جديدة للازمة السورية تحت وطأة التحدي الكبير الذي يشكله اتساع نطاق التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن وتهديدها لدول الخليج نفسها.
*كاتب وصحفي لبناني