من جملة ما قراناه في سني دراستنا الابتدائية من الشعر التعبوي المشبع بالكراهية تجاه بريطانيا، قصيدة شهيرة، لا اعرف من هو قائلها، عنوانها (لندن مدينة اللصوص) ويقول شطر البيت الاول منها: (ماذا سأكتب عن شوارعك المضاءة من دماء).. الخ .. ولم نكن نعرف ان لندن عاصمة الامبراطورية التي لم تغب عنها الشمس، وقتذاك، لم تكن تصغي لمثل حماساتنا هذه، فهي لم تبلغ المستوى الذي وصلت اليه، الاّ لأنها كانت بعيدة عن هذه الانفعالات العاطفية وقريبة من العقل والحكمة في تدبّر الامور كي تجعل نفسها سيدة للعالم، او هكذا كان وصفها بحق، سواء اتفقنا مع نهجها وقتذاك او لم نتفق.
لقد حضرت امامي تلك القصيدة الغافية بين طيات الذاكرة، وانا اتابع حماسة الكثيرين تجاه موقف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، المرحب بالمهاجرين غير الشرعيين، اذ تحوّلت بنظرهم الى الام تيريزا التي تحنو على ضعفائنا الهاربين من جحيمنا الى الجنة الاوروبية، ممن بات مشهد تزاحمهم هناك، يختزل صورة واقعنا المخزي ويعكس بؤس ثقافتنا التي انحطت لهذه الدرجة.
السؤال الذي علينا طرحه هو: هل هجرة هذه الاعداد الكبيرة جاءت نتيجة لما يحصل من خراب وحروب فقط، ام انه نتيجة لثقافة سياسية ووطنية تعرضت لتشويه مبرمج؟. اعتقد انه سؤال كبير ويحتاج الى وقفة طويلة علينا جميعا ان نقفها، وان نعيد النظر بالكثير من المقولات الثقافية التي استجاب لها البعض، لا سيما في العقدين الاخيرين، فالوطنية التي كان يهتف بها البعض استبدلها بالطائفة والطائفية، والاشتراكية تحولت الى التغني بالخصخصة، ووحدة الوطن باتت اهزوءة عند البعض من المفتونين بالفيدرالية ويسخرون من الدولة الموحدة، وان جاء كلامهم هذا مقنّعا بالصلاحيات وحقوق المحافظات بثرواتها.وهكذا شاعت ثقافة الاستئثار بدلا من الايثار واستشرت الانانية ونزعة الاستحواذ، لتستنفر بذلك الغرائز لدى العامة من الناس في السلطة والمال، ويغيب مفهوم الوطن المتكامل بأبنائه وثرواته، حتى وصلنا الى تأسيس جيش لكل محافظة، باسم الحرس الوطني وغيره، بدلا من جيش وطني واحد لوطن واحد، وصار التعامل مع الاجنبي سياسيا وثقافيا واعلاميا، ميزة وشطارة وفخرا ربما، تحت ضغط هذه المقولات التي باتت ثقافة اضعفت دواخلنا وجعلتها تقترب من التصحر وطنيا وانسانيا، وصارت معالجاتنا لمشاكلنا اجرائية ونستجدي الآخر لحلها، اقليميا ودوليا، وكأننا قاصرون، ولهذا صار حالنا في معظم البلاد العربية، التي عصفت بها لعبة دولية غربية اميركية، لا ينكرها عاقل ومتفكر، تم التمهيد لها ثقافيا، لإعاقتنا تاريخيا.
وهكذا انشغل الجميع بالحرب ضد الجميع، واصبحنا نحارب الطائفية بالطائفية، والعرقية بالعرقية، والمناطقية بالمناطقية، وبعد كل هذا لم يعد غريبا ان نسمع هذا التغني بميركل، التي اغدقت علينا بقبولنا لاجئين من دون ان نعلم اننا نتعرض الى حملة تفريغ لعمقنا البشري وطاقاتنا الشبابية وكفاءاتنا وتدمير اوطاننا وشعوبنا، لأننا لم نعد نحفل بهذه المقولات اصلا، ولم يعد مستغربا ان نقرأ قصيدة يتغنى بها شاعر آخر وبحماسة صاحبنا القديم نفسها تجاه لندن، لكن مقلوبة هذه المرة، أي ببرلين او واشنطن او باريس، بصفتها مدنا للعاشقين، وليست للصوص طبعا!.
لقد حضرت امامي تلك القصيدة الغافية بين طيات الذاكرة، وانا اتابع حماسة الكثيرين تجاه موقف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، المرحب بالمهاجرين غير الشرعيين، اذ تحوّلت بنظرهم الى الام تيريزا التي تحنو على ضعفائنا الهاربين من جحيمنا الى الجنة الاوروبية، ممن بات مشهد تزاحمهم هناك، يختزل صورة واقعنا المخزي ويعكس بؤس ثقافتنا التي انحطت لهذه الدرجة.
السؤال الذي علينا طرحه هو: هل هجرة هذه الاعداد الكبيرة جاءت نتيجة لما يحصل من خراب وحروب فقط، ام انه نتيجة لثقافة سياسية ووطنية تعرضت لتشويه مبرمج؟. اعتقد انه سؤال كبير ويحتاج الى وقفة طويلة علينا جميعا ان نقفها، وان نعيد النظر بالكثير من المقولات الثقافية التي استجاب لها البعض، لا سيما في العقدين الاخيرين، فالوطنية التي كان يهتف بها البعض استبدلها بالطائفة والطائفية، والاشتراكية تحولت الى التغني بالخصخصة، ووحدة الوطن باتت اهزوءة عند البعض من المفتونين بالفيدرالية ويسخرون من الدولة الموحدة، وان جاء كلامهم هذا مقنّعا بالصلاحيات وحقوق المحافظات بثرواتها.وهكذا شاعت ثقافة الاستئثار بدلا من الايثار واستشرت الانانية ونزعة الاستحواذ، لتستنفر بذلك الغرائز لدى العامة من الناس في السلطة والمال، ويغيب مفهوم الوطن المتكامل بأبنائه وثرواته، حتى وصلنا الى تأسيس جيش لكل محافظة، باسم الحرس الوطني وغيره، بدلا من جيش وطني واحد لوطن واحد، وصار التعامل مع الاجنبي سياسيا وثقافيا واعلاميا، ميزة وشطارة وفخرا ربما، تحت ضغط هذه المقولات التي باتت ثقافة اضعفت دواخلنا وجعلتها تقترب من التصحر وطنيا وانسانيا، وصارت معالجاتنا لمشاكلنا اجرائية ونستجدي الآخر لحلها، اقليميا ودوليا، وكأننا قاصرون، ولهذا صار حالنا في معظم البلاد العربية، التي عصفت بها لعبة دولية غربية اميركية، لا ينكرها عاقل ومتفكر، تم التمهيد لها ثقافيا، لإعاقتنا تاريخيا.
وهكذا انشغل الجميع بالحرب ضد الجميع، واصبحنا نحارب الطائفية بالطائفية، والعرقية بالعرقية، والمناطقية بالمناطقية، وبعد كل هذا لم يعد غريبا ان نسمع هذا التغني بميركل، التي اغدقت علينا بقبولنا لاجئين من دون ان نعلم اننا نتعرض الى حملة تفريغ لعمقنا البشري وطاقاتنا الشبابية وكفاءاتنا وتدمير اوطاننا وشعوبنا، لأننا لم نعد نحفل بهذه المقولات اصلا، ولم يعد مستغربا ان نقرأ قصيدة يتغنى بها شاعر آخر وبحماسة صاحبنا القديم نفسها تجاه لندن، لكن مقلوبة هذه المرة، أي ببرلين او واشنطن او باريس، بصفتها مدنا للعاشقين، وليست للصوص طبعا!.