عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

أساطير الاستبداد بقلم: جمال جاسم امين

المقالات 29 سبتمبر 2015 0 191
أساطير الاستبداد بقلم: جمال جاسم امين
+ = -

 تشير العنونة بدءا الى سؤال من نوع: هل للمستبد اساطيره ايضا؟ الجواب هو نعم لكن مع الايضاح بأن الاسطرة هنا ليست واحدة من فضاءات تمثيل المعنى كما يحدث في الادب والفن عادة بل هي معادل اللاواقعي في هذا المفصل تماما. الاسطورة هنا هي حشد المقولات والاخيلة السياسية والاجتماعية التي يلفقها المستبد بقصد خداع الجمهور وزجهم في نفق مظلم لن يخرجوا منه إلا بثمن فادح.
إن الاستبداد يقوم اصلا على استقواء من نوع ما، إفراغ الجماعة من كل ميزة او عنصر قوة واختزالها في شخص الرمز/ البطل الوهمي، المستبد الذي يمارس لعبة الايهام حتى على نفسه لكن كل هذا يحتاج بالضرورة الى ضجيج اعلامي يرافقه قوامه مقولات وشعارات تظهر الوهم كما لو كان واقعا. كل مستبد بالضرورة يزوّر الواقع بل ويزوّر مشكلات الناس عبر استدعاء مشكلات مزعومة لا واقع لها من قبيل ترحيل التاريخ الى الحاضر والاحتفاء برموز غابرة بعد تسويغ استحضارها بذرائع شتى لصياغة سردية لا اساس لها من الجدوى، هذا المبنى الحكائي الزائف، السردي الموهوم هو الاسطورة التي يبني عليها المستبد كل مزاعمه كما يبرر تضحيات الناس ومعاناتهم على انها (شهادة) او فداء من اجل هدف سامي وهو في الحقيقة لا وجود له الا في الخيال المريض، الخيال المغلق الذي تعيث فيه اوهام الاستبداد.
بالطبع لا بد من وجود حواضن لمثل هذه الممارسات الشاذة والمقصود بنى وانساق مجتمعية لا تزال تؤمن بالاسطوري واللاواقعي الذي يمكن وجوده في زمان ومكان ما، لأن الاسطورة اية اسطورة من عناصرها الاساسية اللازمان واللامكان ايضا بل هي عابرة للازمنة ومختزلة للمكان، لذا فان المستبدين يستدعون ما شاؤوا من الاوهام دون مساءلة نقدية جادة لصدقية ما يدعون مستفيدين من آلية الترهيب التي يشيعونها بين الجمهور لتصبح دامغا بل وقامعا لأية مساءلة من هذا النوع، وهنا تسود ثقافة القطيع الببغاوية التي يستفيد منها المستبد بالضرورة فهو (الرائي) والحكيم الذي يرى ما لا يراه غيره!. في مثل هذه الاجواء التي ينتكس فيها العقل تتراجع قيمة الخبرة ايضا كما يصبح الخبراء فائضا لا قيمة له ليتقدم الطبالون والانتهازيون الذين لا هدف لهم سوى مصالحهم الضيقة حتى لو تحققت على حساب المصالح الكبرى للوطن او الناس.
الزيف هو السائد في مثل هذا المناخ وبالتالي فإن الخبرة والنقد سيكونان عدوين لا غير! لأنهما يكشفان ما يريد الاستبداد ستره وحجبه عن الناس. الخبراء او (التكنوقراط) كما نسميهم يعملون بلا ضجيج ولا شعارات ولا ايديولوجيا مسبقة لأنهم خبراء عمل وانتاج لا غير بينما سياسيو الاستبداد لا علاقة لهم بكل هذا بل يرون في عطالة العمل فرصة لتشغيل الناس في ماكنة الوهم مقابل رشاوى مبطنة احيانا وهبات حتى لو منحت بصيغة رواتب واجور وهي في حقيقتها رشوة سياسية لأنها بلا انتاج وطني حقيقي ولا مسوغ لها سوى الولاء للسلطة او الحاكم.
سياسيو الاستبداد لا علاقة لهم بالعلم بل يعملون في الغالب على خرق معاييره بشتى السبل لإضعاف وتسفيه دور الاكاديميات التي اذا ما نشطت فانها ستضخ اجيالا متنورة قد لا تصلح حطبا لجهنم الاستبداد ولن تقنعها اساطيره الملفقة! وربما من هذا المفصل تنشأ القطيعة التاريخية والمعرفية بين سدنة الاستبداد والتنويرين، حيث لم يبق امام هؤلاء السدنة سوى التوجه للشرائح الاجتماعية التي لا تزال تجتر ارثا قبليا متخلفا للاستقواء بها على قوى التنوير التي غالبا ما تكون محدودة ومنعزلة في مجتمعات من هذا النوع.
تقدم لنا هذه الخطاطة وصفا لأسطرة الاستبداد واسلوب تناسله حتى لو اختلفت الاسماء والرموز لكن الجوهر واحد واساليب العمل هي الاخرى واحدة، هذا الوصف يثير بالضرورة تساؤلا من نوع: كيف اذن نفكك فواعل الاستبداد وهو يحتمي بضحاياه احيانا؟! هل من السهل تنوير هذه الضحايا التي تموت مبتسمة؟!. هذا العبء يتحمله الضمير الثقافي للجماعة التي يطالها الاستبداد ولا بد لهذا الضمير من تمثيلات اهمها المثقفون والفنانون والاكاديميون الذين لا ذريعة لهم في الغفلة، ولكي نلامس أديم الاجراء و الفعل نقول ان الكشف هو الخطوة الاولى والاهم على طريق نزع العمى عن بصر الجماعة كي لا تظل والى الابد فريسة اوهام واحلام زائفة يصنعها لها المستبدون، وتستغرق حياتهم كلها ولا نهاية سوى الموت والدمار وفوات الوقت على تقدم الاجيال التي قد تتوهم ان فرصتها في الهجرة من اوطانها الميؤوس من اصلاحها بعد كل هذا!. نعم قد يكون الاصلاح شاقا لكنه ليس مستحيلا، ليس بعيدا الى هذه الدرجة. اليأس سهل لكن الامل هو المهارة، هو الميدان الذي يكتشف فيه الناس قدراتهم الكامنة.

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار