معروف كيف دعمت الولايات المتحدة والسعودية وحلفاؤهما الحركات الاسلامية في افغانستان بعد الغزو الروسي. وبعد انسحاب الروس، وتحول تنظيم القاعدة الى الهجمات ضد المصالح الاميركية، التي تتوجت عام 2001 بالهجوم على مركز التجارة العالمي، جن جنون الولايات المتحدة، فقد تخطى المسخ الذي ساهمت في صناعته الحدود المرسومة له، وبات من المحتم مهاجمته بكل قوة. وقد كنا نحن العراقيين بعيدين عن كل ذلك حينها، لاننا كنا لا نزال نرزح تحت الليل البعثي الطويل الذي هيمن على البلاد منذ 1968.
وعندما غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق، انسجمت تلك اللحظة في حسابات المصالح الاميركية، مع مصالح غالبية الشعب العراقي بإزاحة النظام الدكتاتوري، الذي ساق البلاد الى الحروب والحصارات ودمر البلاد والعباد والانسان والبنى التحتية
وكل شيء تقريبا. وسواء سمينا تلك اللحظة احتلالا، ام تحريرا، ام غزوا، فان الحقيقة هي ان المصالح الأميركية ومصالح الشعب العراقي تلاقت في تلك اللحظة موضوعيا.
بعد أكثر من عشرة أعوام، ومع دخول داعش الى الموصل واحتلالها ثلث العراق، انكشفت حقيقة جديدة، فقد تجلى اثر متغيرات العقد الاخير على حسابات الولايات المتحدة، وان هذه الاخيرة لم تعد ترفع راية الحرب الشاملة على الارهاب كما كانت قبل عقد من الزمن تقريبا، بل عادت الى سياسة «تقليم الاظافر» مرة اخرى، للعب بالمجموعات الارهابية هذه المرة على مسرح جديد، هو مسرح العراق وسوريا وليس افغانستان. وعادت مصالح اغلبية الشعب العراقي لتتباعد شيئا فشيئا مرة اخرى مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
فالتطورات التي جرت في العالم في العقد الاخير، وابرزها متغيرات العالم العربي، وما احدثه الربيع العربي من اصطفافات جديدة، والتصعيد الطائفي الخليجي العسكري الذي تجسد بالتدخل العسكري في البحرين ثم الهجوم المباشر على اليمن، والازمة السورية وكل تداعياتها، كل ذلك يبدو انه كشف واقعا جديدا، امست فيه المصالح الاميركية، مع حلفائها التقليديين – اسرائيل والخليج العربي وتركيا – غير عابئة كثيرا بالقضاء على الارهاب فعليا. وقد بدا هذا واضحا مباشرة بعد دخول داعش الى الموصل، ومنذ أولى تصريحات اوباما الفاترة حينها والتي لم تتناسب مع الحدث وحجمه وخطورته مطلقا، والى يومنا هذا، فغالبية الشعب العراقي تريد القضاء على داعش والارهاب بأسرع وقت ممكن، بينما الاعداء الاقليميون يدعمون هذه التنظيمات الارهابية بشكل مباشر او غير مباشر، فيما تحاول اميركا ان تقف موقفا وسطا، وهو احتواء داعش، وضربه بالقوة الي تؤدي الى تحجيمه ولكن ليس الى موته.
هنا ظهر لاعب جديد بكل تأثيره في المشهد مؤخرا، وهو اللاعب الروسي (الذي بدوره ناهض الغزو الاميركي للعراق عام 2003، حيث تباعدت مصالحه آنذاك مع مصالح العراقيين) ليتحول بعد هذه الاعوام من المتغيرات – بما في ذلك الجفوة الروسية مع الغرب والولايات المتحدة بسبب الازمة الاوكرانية، والعقوبات التي فرضت على روسيا نفسها، وحساباته الاقليمية والعالمية – الى التكشير عن انيابه بحدة غير مسبوقة، لاعادة رسم واقع سياسي اقليمي وعالمي جديد. وباتت روسيا اليوم، وليس الغرب ولا الولايات المتحدة، هي الطرف العالمي القوي الاكثر تشددا ضد التنظيمات الارهابية.
يبدو ان مجرى الزمن قد اعاد نفسه عدة عقود الى الوراء، ولكن على مسرح جديد هذه المرة. فها هي روسيا تحارب الجماعات الاسلامية بكل شدة (كما فعلت في افغانستان سابقا) وها هي الولايات المتحدة تتبنى سياسة الاحتواء وليس القضاء على هذه الجماعات، وها هي المصالح العراقية تتقارب مع روسيا وتتباعد عن اميركا من جديد، فهل ثمة تفجير جديد سيحدث في اميركا مرة اخرى، شبيه بذلك الذي حدث قبل اربعة عشر عاما، ليعيد لها جديتها في محاربة الارهاب مرة أخرى، وتعود لعبة المصالح الى الاصطفاف من جديد بوضع جديد؟.
[طباعة]
وعندما غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق، انسجمت تلك اللحظة في حسابات المصالح الاميركية، مع مصالح غالبية الشعب العراقي بإزاحة النظام الدكتاتوري، الذي ساق البلاد الى الحروب والحصارات ودمر البلاد والعباد والانسان والبنى التحتية
وكل شيء تقريبا. وسواء سمينا تلك اللحظة احتلالا، ام تحريرا، ام غزوا، فان الحقيقة هي ان المصالح الأميركية ومصالح الشعب العراقي تلاقت في تلك اللحظة موضوعيا.
بعد أكثر من عشرة أعوام، ومع دخول داعش الى الموصل واحتلالها ثلث العراق، انكشفت حقيقة جديدة، فقد تجلى اثر متغيرات العقد الاخير على حسابات الولايات المتحدة، وان هذه الاخيرة لم تعد ترفع راية الحرب الشاملة على الارهاب كما كانت قبل عقد من الزمن تقريبا، بل عادت الى سياسة «تقليم الاظافر» مرة اخرى، للعب بالمجموعات الارهابية هذه المرة على مسرح جديد، هو مسرح العراق وسوريا وليس افغانستان. وعادت مصالح اغلبية الشعب العراقي لتتباعد شيئا فشيئا مرة اخرى مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
فالتطورات التي جرت في العالم في العقد الاخير، وابرزها متغيرات العالم العربي، وما احدثه الربيع العربي من اصطفافات جديدة، والتصعيد الطائفي الخليجي العسكري الذي تجسد بالتدخل العسكري في البحرين ثم الهجوم المباشر على اليمن، والازمة السورية وكل تداعياتها، كل ذلك يبدو انه كشف واقعا جديدا، امست فيه المصالح الاميركية، مع حلفائها التقليديين – اسرائيل والخليج العربي وتركيا – غير عابئة كثيرا بالقضاء على الارهاب فعليا. وقد بدا هذا واضحا مباشرة بعد دخول داعش الى الموصل، ومنذ أولى تصريحات اوباما الفاترة حينها والتي لم تتناسب مع الحدث وحجمه وخطورته مطلقا، والى يومنا هذا، فغالبية الشعب العراقي تريد القضاء على داعش والارهاب بأسرع وقت ممكن، بينما الاعداء الاقليميون يدعمون هذه التنظيمات الارهابية بشكل مباشر او غير مباشر، فيما تحاول اميركا ان تقف موقفا وسطا، وهو احتواء داعش، وضربه بالقوة الي تؤدي الى تحجيمه ولكن ليس الى موته.
هنا ظهر لاعب جديد بكل تأثيره في المشهد مؤخرا، وهو اللاعب الروسي (الذي بدوره ناهض الغزو الاميركي للعراق عام 2003، حيث تباعدت مصالحه آنذاك مع مصالح العراقيين) ليتحول بعد هذه الاعوام من المتغيرات – بما في ذلك الجفوة الروسية مع الغرب والولايات المتحدة بسبب الازمة الاوكرانية، والعقوبات التي فرضت على روسيا نفسها، وحساباته الاقليمية والعالمية – الى التكشير عن انيابه بحدة غير مسبوقة، لاعادة رسم واقع سياسي اقليمي وعالمي جديد. وباتت روسيا اليوم، وليس الغرب ولا الولايات المتحدة، هي الطرف العالمي القوي الاكثر تشددا ضد التنظيمات الارهابية.
يبدو ان مجرى الزمن قد اعاد نفسه عدة عقود الى الوراء، ولكن على مسرح جديد هذه المرة. فها هي روسيا تحارب الجماعات الاسلامية بكل شدة (كما فعلت في افغانستان سابقا) وها هي الولايات المتحدة تتبنى سياسة الاحتواء وليس القضاء على هذه الجماعات، وها هي المصالح العراقية تتقارب مع روسيا وتتباعد عن اميركا من جديد، فهل ثمة تفجير جديد سيحدث في اميركا مرة اخرى، شبيه بذلك الذي حدث قبل اربعة عشر عاما، ليعيد لها جديتها في محاربة الارهاب مرة أخرى، وتعود لعبة المصالح الى الاصطفاف من جديد بوضع جديد؟.
[طباعة]