عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

لطفية الدليمي: لم أخسر نفسي في جنون الأحداث بقلم: محمد ناصر الغزي

المقالات 08 نوفمبر 2015 0 127
لطفية الدليمي: لم أخسر نفسي في جنون الأحداث بقلم: محمد ناصر الغزي
+ = -

 

اعتدت حياة مترعة بالفقدانات، فقدت وطنا وبيتا وذكريات ومقتنيات ومكتبة هي خلاصة ما اكتسبت لكني لم افقد بهاء روحي ووهج القلب، لم اخسر نفسي في جنون الأحداث بل تماسكت وواجهت المحنة بابتسامة وجرأة» .. بهذا التوهج من نصها «عمان التي تتقن صياغة المطر» .. أشعلت الروائية لطفية الدليمي جذوة الحديث عن الرواية والمدن والعزلة وعن منجزها الإبداعي حيث احتفت بها دارة المشرق للفكر والثقافة في ندوة بعمان تحت عنوان «سليلة سومر.. حياة منسوجة بالكلمات» في منتدى الرواد الكبار.
تختزل الدليمي المشهد في العراق بصورة من شهادة لها فتقول فيها «أمامي سفينة تغرق وورائي ساحة التحرير المكان الذي لم يتبق فيه من الحرية الا ملحمة جواد سليم الرخامية نصب الحرية، بقي الاسم والنصب وهربت الحرية وطوردت في ازقة بغداد، مذ اطلق انقلابيون الرصاص على النصب فسقط جسد الحرية مضرجا بالكراهية».
الروائية التي غادرت عزلة دامت نحو عام وتوزعت فيها حياتها بين كتابة الرواية والترجمة تقول ان « الحرية التي رعبت العسكر لا تزال مطلوبة حية او ميتة في جسد الحياة .. مطلوبة في البلد الذي حرست بواباته عشتار وسمير اميس ونيسابا ..واللائي تم حرقهن في احتفال جاهلي ليعاد اختراع البلد من النفط والدم وعداوات الطوائف».
تطوف الدليمي من عزلتها عزلة الكاتبة وتراكم الفقدانات الى عزلة المراة العراقية ووجع الفقدانات المتواصلة فترسم صورتين الأولى عن وقوفها وورائها ساحة التحرير والدبابات والنساء الملفعات بالسواد ، والثانية عن البلاد التي بات فيها النفط السائل عنوانا بديلا عن ميزوبوتيميا، فترفض ذلك في بوح تؤكد فيه ان العراق يتلبسها كجروح وينشب اوجاعه في الذاكرة ولا تجد انفكاكا من اشتراك مصيره بها هذا الاشتراك الابدي حتى الهلاك.

لعنة كلكامش

تقول الدليمي «نحن لا نشبه الا البلاد التي اكتمل جنونها، البلاد التي ليست لنا، البلاد التي ليست لاحد.. ومن يظن انه يمتلك العراق فهو واهم .. انه سليل المياه، النفط هو الملكية الوحيدة من جسد البلاد لذا اهدروا الدم والكلمات والاغاني وحظروا الحياة وبقي النفط يسيل ابعد من احلامنا ليتفتح ترفا في جهات السارقين». وكانها تؤكد لنا ان اللعنة هي النفط ومن خلفه اللاهثون اليه الذين يسعون الى خلق انسان بلا عاطفة بلا تفكير لا يشعر بالالم ولا حتى بالموت وإن داهمه فهو بلا روح.
انها تستلهم التراث السومري، في قراءة مغايرة لملحمة كلكامش فتسأل «من أي بئر يستقي الموت خلوده .. أهو النفط الذي يدله على رائحة اجسادنا ولحمنا ام لعنة كلكامش من جيل لجيل».
انه طواف اخر ولكن هذه المرة اكثر التصاقا بالواقع في صوفية تصور الموت ومجانيته فتقول «النفط لحم الجسد ولحم البلاد وليس سوى خدعة الماس حين يسيل من قلب الأرض او من شهقة امراة تقف عند الباب الوسطاني فلا ترى غير رماد أبنائها تبدده الريح».
فتحدثت عن روايتها سيدات زحل بوصفها وثيقة حية للحزن العراقي المستديم وللفجائع التي تغلف حياتنا، فكانت سرد ملتصق بالواقع ولم تكن ابدا نصوصا تسجيلية.
وبددت الروائية لطفية الدليمي في جوابها على مداخلات الحضور الذي كان لافتا الاعتقاد بانها يمكن ان تندرج ضمن تصنيفات الادب النسوي والادب الذكوري ، مؤكدة ان الادب واحد والفكر ولا يمكن ان تكون للمراة اتجاهات غير اتجاهات الرجل لذا نجحت لطفية الدليمي في هدم هذه الاسوار.
لكنها لفتت الى ما يمكن وصفه بالادب الانثوي الذي يميل الى نصوص تتصف بالميوعة والادب النسائي.

حسبي حقيبة صغيرة

وتحدثت الدليمي عن عزلتها الطوعية فقالت «حققت حضوري الابداعي والفكري عبر أعمالي ومواقفي ولم أندم على عزلتي.. فالابداع والانجاز الحقيقي لاينسجم مع الاضواء والنجومية الاجتماعية التي تحول الكائن الى أداة ومشروع تجاري».
هي تنوه الى ان تلك العزلة كانت مشغولة بالانجاز حيث تتحدث عن تقسيم ساعات يومها بين الترجمة وكتابة الرواية.
وعن عزلتها قالت مديرة دارة المشرق للفكر والثقافة زهرية الصعوب «انها مفارقة ان تعرفني بها الروائية هدية حسين يوم ذكرت لي اثناء حفل توقيع يوميات مدن انها مدينة للروائية لطفية الدليمي لانها اخرجتها من عزلتها.. فاقوم اليوم انا بكسر عزلة الدليمي».
وقدمت الروائية الدليمي نصوصا منتقاة من كتابها يوميات مدن وهو الكتاب الذي يقترب لجهة أنه «أدب المذكرات» وليس «سيرة ذاتية» انه بوح عن الأمكنة والازمنة والانسان.
قرأت الدليمي نصا بعنوان «عمان التي تتقن صياغة المطر» تقول فيه:»بين إينانا سومر وربة عمون ألف آصرة حب، وبين تايكي ونيسابا ربة المعرفة والكتابة ألف وشيجة نسب وقربى، وبين ذاكرة عمان وبغداد فيوض هوى وعروش سلالات وأقانيم نهضة وألق حضور، ومن بترا إلى بابل يمتد مسرى نجوم ومسيل نبع من الحب ليس له انتهاء».
انه نص فززت فيه صور لابدة بين الرخام حين تتحدث عن العودة من باريس الى عمان، بحثا عن اللغة فتقول «إلى عمان بيت الياسمين ونصاعة الثلج وطقطقات البرد عدت إلى صباحات الزعتر ويقظة الشاي ولذة اللوز الأخضر عدت إليها اختيارا مفضلة إياها على باريس التي تعد أجمل عواصم الأرض وابهاها كما يعرف الناس وكما يتوهم بعض من يحلمون بها جاهلين قسوة حقيقتها».
انه زهد الكاتب زهد الروائية التي لا تزال مثقلة بإرث الجاحظ والحلاج وإخوان الصفا وراويات سومر و كاهنات بابل ، وكأنها تتقصى أثر الحرف الذي تركته نيسابا، انها تهرب من غربة اللغة ، فتقول «عمان عصمتني من التلاشي» فهي تبحث عن مدينة تشبه بغداد في بحثها بين مغرب العرب ومشرقهم بعد ان ظلت تعيش بين نحت ادونيس «لا
الخارج بيتي والداخل ضيق علي» ونسج المتنبي «على قلق كأن الريح تحتي، تُوجّهُني جنوبا أو شمالا» . 

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار