يبدو أن حرب الأسواق المقبلة ستكون حربا رقمية، وان المواقف والسياسات ستُحسب على وفق امتلاك القدرة في تجاوز الحواجز الرقمية، وفي الحصول على أكبر الفرص للإعلان والتسويق والبيع، وهذا ماتخشاه الولايات المتحدة، وخوفها من طبيعة العمليات التي باتت تعتمدها الصين وبعض الدول الاوروبية، وتحت يافطة (الحماية الرقمية) التي تهدف في جوهرها الى وقف توسع شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على المستوى العالمي.
لقد وضع الصينيون إقتصاد التسويق والتصدير على رأس أولياتهم، فهم شعب غير استهلاكي، وان فكرة الانتشار في أسواق العالم لم تعد خاضعة للمعايير التقليدية، وهو ماجعلها الأكثر حراكا في مجال( الغزو الرقمي) حتى تحولت الى سوق صعبة للشركات الأميركية. فضلا عن تنامي التوتر مع العديد من دول الاتحاد الأوروبي، حيث تم تسجيل العديد من الدعاوى القضائية ضد شركات «غوغل» و»فيس بوك» وغيرها، بشأن مسائل متعلقة بحماية المعلومات الشخصية والمنافسة او الضريبة على سبيل المثال.
سعي أوروبا الى بناء «سوق رقمية موحدة» داخل الحدود الأوروبية يمثل واحدا من أبرز التحديات الأميركية، لأن هذه السوق تتضمن وجود مشروع عملاق، له علاقات تنظيمية تخص منصات الإنترنت والكابلات المحورية لمنظومة الاتصالات، وهذا ما يعدّه البعض هجوما على الشركات الأميركية مثل «أمازون» أو قطاع «الاقتصاد المشترك» مثل «اير-بي ان بي».
يقول إد بلاك، رئيس الجمعية الأميركية لقطاع التكنولوجيا: لم يضع أحد تعريفا للمنصة الإلكترونية. إذ يبدو الأمر وكأنه مقترح لتنظيم مشكلة غير موجودة، مع احتمال خلق صعوبات.
ويقول دانيال كاسترو، نائب رئيس مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، وهو مركز بحثي مقره واشنطن: انه يلمس وجود (موجات كامنة من الخوف) في أوروبا امام شعبية الخدمات التي توفرها شركات أميركية كبيرة مثل غوغل وفيس بوك.
وهناك مصدر آخر للاحتكاك وهو تطبيق (الحق في النسيان)، الذي يتيح للأوروبيين طلب إزالة نتائج البحث المتعلقة بهم. وتعمل فرنسا على إرغام شركة غوغل على تطبيق ذلك على المستوى العالمي، ولكن بعض الشركات الأميركية تعد ذلك نوعا من الرقابة. ويقول دانيال كاسترو: إن فرض تشريعات ذات صبغة أوروبية في الولايات المتحدة لن يعود بالنفع لا على الولايات المتحدة ولا على أوروبا.
وحتى الرئيس باراك اوباما اعرب عن قلقه في مقابلة مع موقع (ري/كود) المتخصص ردا على سؤال حول التدابير المتخذة في أوروبا. إذ قال اوباما: لقد امتلكنا الإنترنت. شركاتنا هي التي أنشأته ووسعته وطورته أحيانا ما يتم تقديمه بوصفه مواقف مبدئية نبيلة ليس الغرض منه سوى ضمان مكانة لبعض من مصالحهم التجارية.
من هنا يدرك الجميع خطورة التحكم بالاقتصادات الرقمية المقبلة، وكيفية السيطرة على أسواقها.
وحتى يذهب البعض لوضع تشريعات حاكمة، وتتضمن مجموعة من الاجراءات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة على المستوى والاوروبي والدول الاخرى، التي تخص (المنتجين والفاعلين الأوروبيين والفاعلين الآسيويين والفاعلين الأميركيين كذلك) ، هذا ما قاله المفوض الأوروبي للفضاء الرقمي، غونتر اوتينغر، الذي يدرك خطورة فقدان السيطرة على هذه السوق المستقبلية، تلك التي لاتتعلق بالاسواق الاقتصادية التجارية فقط، بل باقتصاديات المعلومات أيضا، حيث تنطوي على مخاطر ذات تأثير كبير على الأمن القومي للدول، وربما تتحول الى نوع من الهيمنة المعلوماتية التي قد تدخل في مجالات التجسس وغيرها.لاسيما بعد افتضاح قضية ادوارد سنودن المتعاون السابق مع وكالة الامن القومي الأميركية عن برنامج التجسس الأميركية على الاتصالات الإلكترونية، لكن كما يبدو أن الخوف التجاري سيكون هو الأكثر تهديدا وخطورة على مستوى العيش والسيطرة على أسواق العمالة والبضائع الستراتيجية.
وان دولا طموحة مثل الصين ستكون أكثر المنافسين للولايات المتحدة في الاسواق العالمية وفي فرض نمطها الاقتصادي التسويقي عبر توسيع مديات الاقتصاديات الرقمية، وعلى المستويات كافة.