منذ الخليقة كانت نزعة الشر موجودة في داخل الانسان للاستحواذ على الممتلكات والمناصب والوجاهة، وهنا ادرك المفكرون والفلاسفة والمشرعون بضرورة وضع ضوابط للحد من هذه النزعة السلبية الموجودة داخل اغلب بني البشر ولكن بدرجات متفاوتة للحيلولة دون
طغيانها وتجاوزها على ممتلكات ونفوذ الاخرين بوسائل وطرق شتى، وقد يكون الدين والسلطة هما ابرز وسائلها لتحقيق غاياتها، لهذا جاء مبدأ (من اين لك هذا؟) لتحقيق العدالة والمساواة في الحصول على المنافع والامتيازات المادية والمعنوية، وهو مبدأ قديم اذ تشير الشواهد التاريخية ان الامراء والملوك والسلاطين كانوا يستدعون كل من اثري بشكل مفاجئ وسؤاله عن مصادر ثروته واذا كانت فيها شبهات الكسب غير المشروع او اتم الحصول عليها بطرق غير نزيهة تتم معاقبة صاحبها ومصادرة ممتلكاته.
اما في الوقت الحديث فقد عمدت اغلب الدول الى العمل بهذا المبدأ، ففي اميركا مثلا تم العمل بكشف الذمم المالية وكل من ثبت اثراؤه بشكل غير طبيعي، تتم مصادرة امواله وحبسه لمدة تتراوح من خمس الى عشر سنوات، وان هذه العقوبات الرادعة ليس حفاظا على المال العام فقط بل والمال الخاص ايضا واقتصاد البلد من التضخم والانكماش المفاجئ، جراء مضاربة اصحاب رؤوس الاموال والتهرب الضريبي او غسيل الاموال او تهريب العملة الصعبة وغيرها الكثير، وجميع هذه الصنوف موجودة ومزدهرة حاليا مع الاسف الشديد في العراق، ولم تجد محاولات هيئة النزاهة منذ العام 2005 بتقديم كشوفات المصالح المالية للمسؤولين في الدولة من درجة مدير عام فما فوق من ضمنهم اعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات والوزراء ورؤساء الهيئات والسفراء والرئاسات الثلاث واصحاب الرتب العسكرية من رتبة مقدم فما فوق، وكل من ترى هيئة النزاهة ضرورة الكشف عن ذممهم المالية، على ان يتم تقديمها خلال شهر من تسلمه منصبه، ويتم الاستدلال من خلال هذه الاستمارة عن اسهم وملكيات الموظف او افراد اسرته ومصادره المالية الاخرى التي تتضمن اسم الموظف الرباعي وعنوان عمله وسكنه واسم زوجاته وعدد اطفاله وعملهم وتفاصيل اخرى كثيرة. ان اعتماد هذه الآلية يساعد في الكشف عن اموال الموظفين وبشكل سنوي اضافة الى كون هذا الاجراء يعد احترازيا للكشف ايضا عن الحالات المحتملة من الفساد المالي في دوائر الدولة، ورغم ان المشمولين بالكشف عن الذمم المالية في العراق عددهم بعشرات الآلاف، ورغم ان العراق يأتي في المراكز الاولى بمعدلات الفساد وفق تقارير الشفافية الدولية السنوية، ورغم اعتراف المسؤولين بوجود الفساد، لكن الذين تمت محاسبتهم او احالتهم الى القضاء بسبب
الفساد والكسب غير المشروع لايتجاوزون اصابع اليد، وهو امر غير منطقي وغبر مقبول في ظل تأكيد المرجعية الدينية والنخب المثقفة ومطالب المتظاهرين على ضرورة الضرب بيد من حديد على الفاسدين وعلى من يقف وراءهم.ان السيد رئيس الوزراء ضمن خطواته الاصلاحية اكد في شهر اب من العام الحالي بضرورة تفعيل العمل بمبدأ من اين لك هذا؟.
وهو اجراء مهم وضروري حاليا ومستقبلا، على ان يرافقه اصدار تشريعات او اجراء تعديلات على قانون هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين وديوان
الرقابة المالية، تتوافق وتتلاءم مع متطلبات المرحلة وتحدياتها، وبما يمكنهم من اصطياد حيتان الفساد التي اضرت وما زالت تضر باقتصاد البلد وسرقة ثرواته.