عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

غريتا» .. قصص العواطف النبيلة بقلم: ضحى عبدالرؤوف المل

المقالات 12 نوفمبر 2015 0 138
غريتا» .. قصص العواطف النبيلة بقلم: ضحى عبدالرؤوف المل
+ = -
«
 تبدأ القراءة في مجموعة العطروني القصصية ولا تدرك النهاية حتى بوصولك الى الكلمة الاخيرة فيها لانها تشكل باستدارتها البداية والنهاية. ولأن في الجملة القصصية محاور عديدة من الذكريات وصولا الى انبلاج الحياة وحتى السياحة تحت التراب بمزيج غرائبي متمسك بشرقيته الى ابعد حدود عالم « غريتا « السمراء التي سألت « والنساء؟ نقربهن بالزواج « ، باختزال وتبسيط وبحنكة انسانية واثقة من ميولها الشرقية التي تفخر بها، فما بين غريتا وغريتا حميمية قاص يشتاق لسرو قريته، وهو ذاك المشرقي القادم من شريط حدودي محتل .
عادات وتقاليد يرفضها في بلاد الاغتراب، ويتقبلها في موطنه الذي يزداد له حنينا، كلما جذبنا نحو عمق افكاره القصصية الموحية بعهد الدم الملوث الذي اصابه بوباء مميت، فالايحاءات في القصة ترتبط بالبعد التكويني لبلدين تختلف فيهما العادات والتقاليد، وحتى المفهوم الانساني المرتبط بدلالات شريط حدودي محتل، وبدوي اسباني متحضر احبه لانه « يدرس تاريخ العالم في جامعات النهار، ويمسد جلود الثيران في حظائر المساء» فهل يحاول العطروني استحداث مكونات قصصية ترتبط بالتراث، وبتمسك ذي معنى يستنزف الشكل القصصي المستحدث، ويضعه ضمن مراحل التغيرات التي تطرأ على الانسان في غربته الداخلية
والخارجية. وعي سردي في « قصة غريتا «ذات البناء الفني المحكم بعناصره القصصية وطابعها التراثي والرمزي والاجتماعي.
ان من حيث التماسك بقضية فروقات الاديان والالتزام العربي بمبادئه الدينية الى اقصى الحدود، وان من خلال الذكريات التي يجملها الانسان في طيات مخزونه النفسي ليحيا اللحظة بقوة تضعه امام محكمة ذاتية تتشكل عند اول نائبة جعلته يشعر بأنه « في تفاهة بخار على زجاج» وضمن هشاشة البخار وقدرته على تغطية نقاوة الزجاج.
ليكون هو وغريتا بمثابة عنصرين مختلفين لا
يلتقيان.
الا ضمن ظروف باردة وحارة تتعاكس من خلالها كينونة كل منهما. لان غريتا اسبانية السمرة حيث لم يكتمل حبها له لانه المدافع الاول عن ايام ابيه ومن قبله، وفي هذه صورة العربي المتمسك باصوله، وبمفاهيم الاجداد منذ الازل « كنت فقط أدافع عن أيام أبي ومن قبله» وفي هذه خاصية عربية تفيض بالاحساس العربي الاصيل ونخوته التي لم تنجو من عهد دم قضى على حياته.
يفاجىء الحدث القصصي القارىء في قصة « غريتا» الغنية بعناصر فنية بانورامية ترسم دهشتها على عز فرحهم واحتدام نشوتهم حيث راحوا يبكون، وما بين التكثيف والاختزال ثمة قصة « ليس فيها روائح البيد، ولا هواء الواحات، ولا حدو الرواحل» فالتداخل والتفاعل الفني يتخذ من الارهاصات القصصية وجودا له.اذ يصعب تحديد النهاية ما لم تصل الى السطر الاخير، لتتسارع خطى القراءة ضمن التباطىء المبني على فهم الرموز في لعبة انتهت بغرز « السيف الرفيع في مقتل الثور المكتئب» الذي جعله يتذكر شعبه المحب الذي « لن يقف يوما بمجمله ليشمت بمقتل ثور» فالتلميحات المبطنة في اعماقها تحمل صورا اخرى عن العهود المتينة واواصر الميثاق الغليظ الذي لا ينساه العربي مدى الحياة. ليصعب تحديد الزمن لان الماضي هو الحاضر بقوة، والمستقبل يحمل سياحة جسد تحت التراب ، فهل تمكن القاص والروائي « الياس العطروني» من اختصار حكاية الشرق والغرب في عهد دم مزج بين اثنين مختلفين وبلدين لكل منهما خاصيته
الاجتماعية؟
قصة حملت مؤثراتها قوة نفسية على القارىء. ان بتناصها ورؤيتها وموضوعيتها الفنية ذات القدرة على ربط الصور الحركية، المترائية امام القارىء، وكانه الثور الذي اصاب الحضور بالنحيب المشابه لنحيبه، ونحيب « غريتا» وان بالواقعية التي تخيم على الحدث ضمن المواقف الانسانية المحاكية، لشعور ذاك المشرقي الذي حدد صفاته بالآتي من شريط حدودي محتل. ليستمد المكان وجوده الزمني ضمن فترة عمرية مضت حملت معها الذكرى بمرارتها مستعرضا مشهدا تلو المشهد حيث تتشابه الومضات في الذاكرة التي تنجلي امامها التفاصيل الغائبة عن لحظة الماضي والتي انكشفت فيما بعد ولكن بعد فوات
الآوان .
ايديولوجيا قصصية بدأ بها العطروني قصته عبر النص الصادق بتأثيراته غير المباشرة على المعاناة التي تتسبب بها عهد الدم، وهو الذي ترك غريتا لانها ليست على دينه وتراثه وقيمه التي يحملها في دم افسدته مشاكسة طفولية منحت القصة بعداً آخر لمفهوم مرض السيدا لمن يصاب به ببساطة وتلقائية
وبراءة. لان في سؤالها له عن النساء الجواب الشافي « نقربهن بالزواج» وهذه نقطة فاصلة لا نقاش فيها تشير الى المبادىء التي يحملها في جذوره الضاربة بعمق الحياة، وبالقضايا الاساسية التي نشأ عليها، فالقصة ذات تكنيك فني اجتماعي لعبت الحداثة القصصية دورا فيها ضمن الاختزال والرمز والالتفاف وراء المعنى، والربط بين الصور ببراعة قاص لم ينجرف وراء عالمه السردي.
انما توقف بضراوة عند الانسان المتمسك باصوله وتربيته ونبل عواطفه ومشاعره فهو لم يصطنع شخوصه انما استخرجهم من مخيلة الذاكرة وهو في طريقه للسياحة تحت التراب ضمن معنى محفوف برحلة حقيقية ينتظرها بعد مأساة تفوق مأساة الهجر ليقول .» هذه البلاد ليست بلادي الآن، وبلادك ليست بلادي أيضا، لا
بلاد لي.»
شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار