عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

الرومانسية في الأدب بقلم: علي خيون

المقالات 17 نوفمبر 2015 0 158
الرومانسية في الأدب  بقلم: علي خيون
+ = -

ولدت الرومانسية في الغرب العام 1827، وتحديداً مع المقدمة التي كتبها فيكتور هوغو (1802ـ 1885) لدراما (كروميل) التي تعد بحق، البيان الشرعي لولادة الرومانسية، وجاءت متزامنة مع تجمع الرومانسيين الذي انضم إليه ألفرد دي موسيه (1815 ـ 1857) صاحب الملاحم الغنائية الرومانسية المسماة «الليالي»، وارتبطت بالعاطفة ،والتحرر الوجداني، والخيال، والتجديد، والحرية، إنما تعبر عن القيم الإنسانية العامة في كل زمان ومكان.ومن هنا، فإن بنية الإحساس الرومانسي بالعالم تبقى ثابتة على مر العصور، ولهذا السبب نجد أن الموضوعات بل حتى الحبكات في المؤلفات الرومانسية المنتمية إلى مختلف الأزمنة، تتشابه وتبدو كأنها مشكلات أبدية مثل حق الإنسان بالحرية والحياة الكريمة،حقه بحرية الإبداع الذي يصطدم عادة بمجتمع لا يفهم المبدع، حقه بالتطلع إلى الحياة الروحية والحب القائم على الوئام الروحي، وحقه بالحلم في أن ينتصر على الأمراض والعجز العضوي، والحلم بمجتمع عادل، وترسيخ المبادئ الأخلاقية السامية، ومنع الحروب الشريرة، وإدانة العدوان والارهاب بكل أنواعه.‏
وقد حظيت الرومانسية بدراسات عديدة جادة، منها «ثلاثة قرون من الأدب»ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، وكتاب محمد غنيمي هلال «الرومانتيكية»، وكتاب فان تيغيم «تاريخ الرومانسية الأوربية» إضافة إلى كتاب الدكتور محمد مندور «الرومانتيكية « الذي هو دراسة فريدة في قيمتها ومستواها النظري عن الرومانسية.‏
بيد أن تلك المؤلفات، لم تمنع فوضى استخدام المصطلح ولا معانيه الدقيقة حتى يومنا هذا،ابتداء من الاسم الذي يكتب «الرومانسية» أو «الرومنسية» وأحياناً «الرومانتيكية» أو «الرومانطيقية» وحتى دلالة المعنى، إذ يذهب بعض النقاد إلى أن «الرومانسية»، هي مذهب الشكوى، ومرض العصر، والتغني بالأطلال، والاطمئنان إلى سكون الطبيعة، والتعبير عن المشاعر الخاصة والتوغل في الإحساس حد التصوف، وهي مذهب الحرية والفردية، وهي (حركة ) وأحياناً (مدرسة) و(نظرية) وأخرى (مذهب) يدخل في إطاره كل إنتاج يصور روح العصر تصويراً عاماً، ويرسم مشاعر الكتاب والشعراء نحو ما تعانيه أممهم في حقبتها الراهنة.‏ويرى بعضهم الآخر أن ثمة صعوبة في تحديد المصطلح، لأن تحديد مفهوم الرومانسية كمرحلة من مراحل تطور الأدب، طبقاً لملامح فردية نعثر عليها في إبداع هذا الكاتب أو ذاك، غاية بعيدة المنال، وتكاد تكون مستحيلة. وللخروج من تعقيدات هذا الموقف ينبغي أن نميز بين ظاهرتين مختلفتين هما: الرومانسية بوصفها مرحلة من مراحل تطور الأدب، ومنظومة فنية، والرومانسية بوصفها حافز إبداع وخاصية توجه فكري انفعالي في آثار هؤلاء الكتاب.
الظاهرة الأولى تنتمي إلى فترة زمنية محددة، تقع ما بين تراجع الكلاسيكية وظهور بشائر الواقعية النقدية، أما الظاهرة الثانية، فهي ظاهرة لا مكانية ولا زمانية، نعثر عليها في إبداع أدباء الأمم المتباعدة، وآثار مختلف المذاهب الفنية، لا سيما في أعمال الواقعية الاشتراكية، التي تلتقي مع الهوس الرومانسي في البحث عن عالم آخر مختلف عن العالم القائم باستخدام أشكال فنية مختلفة مثل الأساطير والإبداع الشعبي والشفوي وغيرها، وهذا ما نعتقده ونريد إثباته في هذه المقالة.‏
ومع أن مهمة البحث الفني في الوجود والوعي البشريين من خلال تفاعلهما مع الواقع الاجتماعي، أفرزت وساهمت في ظهور مذهب «الواقعية» أو الواقعية النقدية، وتبعاً لذلك، طغت أسماء جديدة مثل بلزاك وستندال وميريميه وديكنز، ومثلهم في مجالات الإبداع الأخرى في الشعر والمسرح وسواهما من فنون الإبداع، فإن الرومانسيين لم يغادروا الساحة، ليس بأشخاصهم، ولكن في إبداع الواقعيين الذين بدأ الكثيرون منهم طريقهم الإبداعي بوصفهم رومانسيين تحديداً، فقد استخدم هؤلاء الواقعيين، وعلى نطاق واسع، ما قدمته الحركة الرومانسية من إنجازات فكرية وفنية، وراحوا يطورونها ويعمقونها ويدفعونها في اتجاه جديد، على أن سوسيولوجيا الواقعية النقدية برمتها، من حيث الجوهر، تنطلق من النظرية الرومانسية حول الإنسان وهمومه ومشاكله.‏
كان الموروث الرومانسي متيناً، فاستمر يمارس تأثيره على التطور الأدبي في أوروبا وأميركا حتى نهاية القرن التاسع عشر، بل ما يزال ذلك الموروث فعالاً في عصرنا أيضاً، حيث انه يؤثر على منهجية أحدث الآداب، وأحدث المذاهب والنظريات، وليس من باب المصادفة أن يلجأ بعض علماء الأدب في دراستهم ظواهر معينة في أدب العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، إلى مصطلح «الواقعية الرومانسية».‏
وهاهو غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب الواقعية السحرية، يقول عن روايته (الحب في زمن الكوليرا) : «إنها رواية حب» اي انها رواية «رومانسية» ليس غير، ويحدد أكثر، فيذكر :«إن هذا الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت» وكأني به يقول: إن الرومانسية باقية مهما غيرنا وبدلنا في المفاهيم والنظريات والمذاهب، لأنها ببساطة احساس جمالي لا ينتهي.‏ 

 

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار