لا توجد مناطق توجب على «ايد تشو» السفر إليها بعيدا عن مقر عمله في العاصمة واشنطن أكثر من دولة أذربيجان، التابعة للاتحاد السوفيتي السابق. بالفعل، فعاصمتها القديمة الجدران باكو، مع الامتدادات الفسيحة المسطحة البعيدة تماما عن جميع المحاور التجارية، علاوة على غياب طريق تؤدي إلى البحار العالمية، تجعل المرء يشعر وكأنها نهايات كوكب الأرض.
غير أن تشو قد أصبح برغم البعد مسافرا منتظما لأذربيجان، قاطعا رحلة الخمس عشرة ساعة الجوية عشرات المرات للسبب نفسه الذي يدفع العديد من رجال الأعمال الأجانب وكبار رجال السياسة لركوبها، وهو الكميات الضخمة من مصادر الطاقة. يقول تشو، المدير التنفيذي لشركة «تشيفرون» المتخصصة بشؤون الطاقة: «مثلت أذربيجان العمود الفقري لصناعة النفط والغاز السوفيتية لوقت طويل جدا».
عائق النقل
إلا أن أذربيجان لديها مشكلة تتصاعد وتيرتها بسرعة تعيق تواصلها مع تعطش أوروبا لغازها، فمع عدم وجود بحر يربطها بالقارة العجوز، أو أية خيارات نقل واضحة تلوح في الأفق، لا يمكن للبلاد تصدير غازها بسهولة، وما زاد الخناق على البلد، الذي يسكنه تسعة ملايين نسمة، هو ملاحقة الرئيس الروسي بوتين الذي هدد بطريقة مهذبة بتشييد أنبوب منافس ينقل الغاز الروسي، لتنطلق واحدة من أكثر السباقات التنافسية، إن لم تكن الأعلى تكلفة، لبناء أنابيب ناقلة عبر قارتين.
بدأت لعبة السياسة والطاقة الدولية هذه مع سلسلة من أنابيب غاز يجري تشييدها وتمويلها من قبل شركة بريتيش بتريليوم بشراكة مع عمالقة الطاقة العالمية. وبشكل إجمالي، تم إنفاق ثمانية مليارات دولار فقط لتطوير المرحلة الأولى من المشروع، وتشير مصادر الشركة البريطانية إلى ضرورة توفير نحو 28 مليار دولار لإنتاج ونقل الغاز إلى الحدود الجورجية التركية في المراحل المقبلة.
مناورة أم حقيقة؟
وإذا ما جرت الأمور بما مخطط لها، فإن الغاز من حقل «شاه دينز»، وهو حقل في عمق المياه يحوي أكثر من تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، سيتدفق على اليونان وألبانيا وإيطاليا بحلول 2019. لكن قبل عدة أشهر، وأثناء الإعلان عن التخلي عن خط أنابيب منافس، أفصحت موسكو أيضا عن نيتها دراسة مشروع بديل لنقل الغاز إلى جنوب أوروبا عبر تركيا، مع عروض بأسعار مخفضة لأنقرة، وهذه مثلت أنباءً غير سارة بالمرة لم ترغب أذربيجان سماعها.
ويشير محللون اقتصاديون إلى إمكانية تحفيز الغاز الروسي الرخيص لتركيا على تبطيء أو حتى إيقاف تشييد الخط الأذري المنافس. لغاية الآن، على أية حال، تبدو تصريحات بوتين وكأنها «مناورة لخداع المنافس أكثر من كونها مشروعا حقيقيا»، كما يقول تشو، لكن «هذا لا يعني احتمالية تحوّل الفكرة إلى مشروع حقيقي».
سياسة المصالح
يعلم القلة بأن أذربيجان لديها تاريخ حافل كأحد أقدم منتجي النفط في العالم، فأول حقل نفطي في العالم تم حفره هناك في العام 1846، كما نفذ أول حقل عائم في 1951. ووصل إنتاج البلاد يوميا إلى ما يقرب من مليون برميل كمعدل.
وجذب تعاون أذربيجان مع الغرب في الحرب ضد أفغانستان حشدا من الأسماء الجريئة والمهمة إلى باكو، فقد عمل توني بلير على تحشيد الدعم للبلاد وخط أنابيبها، برغم سجلها السيئ لحقوق الإنسان.
وفي 1994، اكتشفت بريتيش بتريليوم حقل غاز شاه دينز، وهو أضخم اكتشاف للعملاق البريطاني منذ ستينيات القرن الماضي لخليج برودهو في آلاسكا. غير أن نقل الغاز غربا إلى أوروبا اكتنفته المصاعب، ويتجه الخط الوحيد شمالا إلى روسيا، وهو يمثل بالكاد أمرا مثاليا لبلد يسعى للتخلص من سطوة حاكمه السوفيتي السابق.
اقتصاد ريعي
بالنسبة لأذربيجان، الحاجة إلى صادرات الغاز تعد ماسة جدا لتأمين اقتصادها الذي تقوده مصادر الطاقة مع بدء انخفاض إنتاجها النفطي وتدني سعر البرميل عالميا، وتمثل أوروبا سوقها التصديرية الحقيقية في ما يخص الغاز، بحسب تشو. وتسعى أوروبا، بطبيعة الحال، إلى تأمين مصادر أخرى للغاز بمعزل عن روسيا، وهو هدف أضحى أكثر إلحاحا بعد نشوب الأزمة الأوكرانية في بداية العام الماضي.
وتعد الدلالات السياسية لخطوط الأنابيب ذات أهمية أكبر، فعند اكتماله، سيقوم خط الأنابيب بنقل نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، وهذا لا يمثل حجما كبيرا مقارنة بـ160 مليار متر مكعب تضخها روسيا عبر أوكرانيا وبيلاروسيا وألمانيا، لكن الاعتبار السياسي لخط الأنابيب مهم للغاية، حيث أن روسيا، ولسنين طويلة، دخلت في محادثات مع الاتحاد الأوروبي لتشييد خط أنابيب مواز يسلك الطريق نفسها، وكما يعده المحللون يستهدف التنافس مع «ممر الغاز الجنوبي» الذي تريد أذربيجان استخدامه والاستفادة منه.
ومع سعيها لحلحلة الأمور، ستحتاج أذربيجان إلى التعامل برفق مع جارتها الكبرى إلى الشمال. يقول تشو: «لا يريد الأذريون تهديد حدودهم الأهم، بأية وسيلة كانت».