هل كان العراقي يوماً شيوعياً أو بعثياً أو قومياً…؟!
سؤال الزاوية الأخرى للنظر نحو علاقة الفرد بالايديولوجيا، تحديداً الفرد الحامل للون عقائدي في حرب الانقسام داخل بلد يعده علي الوردي بلاد جدل، ووصف الشرقي شعبه بمزرعة البصل. الانتماء العراقي منذ بدايات الدولة اعتمد الهويات الفرعية. لا يوجد لون موحد للجماعات البشرية المفترض أن تكون المجتمع. غير مقنع تماما هو الوطن العراقي، قد يثير التفاخر حين يلتفت الفرد الى التاريخ، لكن حتى التاريخ يصنع انقساماً. حيث ظهر خطاب تصنيف العراقيين الى سومريين وأكديين وآشوريين، الى هاشميين وأمويين، علويين وعباسيين، بويهيين وسلاجقة، صفويين وعثمانيين. الوطن الموحد بفعل تقسيمات سايكس بيكو، والدولة الراعية التي شكلتها بريطانيا، فشلت في صناعة اطار قادر على جعل الحاجة للهويات البديلة او الثانوية هامشية. في هكذا وطن حيث تكون العشيرة، المنطقة، المذهب، الدين… أعلى منه، جاءت العقائد السياسية الجاهزة، لتشكل كذلك هويات أخرى بديلة. وعلى أساسها تم تصنيف الناس الى شيوعي ورجعي، بعثي وعميل، قومي وانفصالي… بينما عجز العراق عن استقطاب المذاهب الفكرية غير الحادة الملامح، اقتصر المستورد على ما هو حاد، عنيف، اقصائي.
وبعكس الهويات «البدائية»، لم تقم البدائل السياسية على فهم كامل للايديولوجيات الجديدة. مناهضة الاقطاعيات مثلاً، وهي فكرة اشتراكية، كانت عاملاً مؤثرا في توافد الكثيرين نحو الشيوعية، بينما لعب البحث عن الشرعية العددية دوره في هيمنة القومية والبعثية على قطاعات من الشعب شعرت بحاجتها الى عمق عددي يعالج كونها أقلية حاكمة. لذلك صحيح جداً أن يقال إن الشيوعي لم يكن شيوعياً في العراق، ولا البعثي والقومي… هي صفات تحققت بفعل أسباب معينة. وطالما كان الاسم لا يشبه المسمى. فعمل البعثي عكس مقولاته «الاساسية»، وكثيراً ما أضر القوميون بـ»الوحدة» العربية، وكثيراً ما قدس الشيوعي رموز مذهبه التاريخيين بذات طريقة تقديس مطرقة لينين… فالعلاقة بين أغلب الافراد العراقيين وايديولوجياتهم سطحية من حيث فهم تلك العقائد، عمقها الوحيد في صناعتها للانقسام حول الهوية.
انهارت الايديولوجيات «البديلة»، حتى البعث الذي حكم طويلاً، لم يبق منه عدا «اخلاقيات» مخبر وواش بفعل صناعة زمن الاستبداد. وعادت «المذاهب» الأصيلة، شيعة وسنة، لكن هذه المرة بصيغة الاسلامات السياسية. تكرست الهويات الفرعية مجددا، لكن الشرعية الدينية امتزجت بالسياسية. والدين هو الآخر اخذ شكلاً إثنيا، يجمع فيه شارب الخمر والمصلي. التعبير عن الهوية الدينية الشيعية قام على توسيع «طقوس العزاء»، والهوية الدينية السنية حملت فكرة «المقاومة».
الاثنان لم يعودا تديناً قائما على العلاقة بين الانسان والسماء، بل فئوية لا تهتم بالله انما بتحدي الآخر. فسقوط الايديولوجيات ذات المضامين المعروفة، فتح الباب أمام ايديولوجيات اخرى، انتماءها يعتمد على مواجهة الآخر، حتى لو كان بجرائم الزرقاوي والبغدادي أو ببركان «الفولوكلور الطقوسي». العقائدية الراهنة تحولت من فكرة الى كره الآخر. فالرجل الذي حمل «المطرقة» يوما، هو اليوم يحمل بيرقا بلون احمر، أو يجمع بين صورة جيفارا وصورة قديس متخيلة!. والرجل الذي رفع صورة جمال عبد الناصر ذات يوم ها هو يحمل صورة اردوغان!.