«ولكم في رسول الله اسوة حسنة»، خطاب موجه للامة الاسلامية وهو خطاب يعادل مقولة (كان رسول الله رجل في امة) فهذه المقولة تنفتح على المعنى ذاته وتنتج ذات الدلالات الكبيرة التي يتضمنه ، والمقولة كما الخطاب تدفع الى تلمس مسارات التاريخ لاكتشاف الكيفية التي جعلت الرسول الاعظم الممثل الامثل للامة الاسلامية وليس العربية وحسب، بل كيفية اختزال الامة في شخص الرسول الاعظم ضمن هذه المقولة البلاغية والبارعة في تحفيز الوعي لقراءة تشكل التاريخ الاسلامي عبر منجزات الرسول العظيمة التي حفل بها التاريخ العربي وكونت هويته العالمية .ان كبرى الانجازات التي حققها الرسول تكمن في تحييد الوعي العربي عن العبادة الوثنية واخراج العقل من مأزق الايمان بالخرافة وبالمعتقدات الاخلاقية المستهجنة كوأد الفتيات واحتقار النساء ونزعة التعالي ضد الآخر الى الايمان بالعقل وتدبر الظواهر والعطف على الفتيات واحترام حقوق النساء وإبداء نزعة التسامح ازاء الآخر، اي اخراج العقل من ظلاميته الجاهلية الى نورانيته الحضارية، اضافة الى تدابيره السياسية والاقتصادية والثقافية التي كانت اللبنات الاساسية في تشكيل منظومة الحضارة الاسلامية التي اصبحت من اعظم المكتسبات العربية والتي امتدت الى اصقاع العالم لتصنع عالمية الاسلام وعالمية
العرب .
قاد الرسول العقل العربي الى القيم العالمية بما امتلكه من كاريزما وحضور شخصي قوي جعل تلك الشخصيات العربية االمعروفة بصلابتها تنقاد اليه بطواعية وتتخذه مثالا اعلى بحيث ان فقدان الرسول سبب لهم صدمة عظيمة وذلك ما تعبر عنه الآية الشريفة: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم).كانت شهادة الرسول بحق خسارة كبرى للعالم الاسلامي وبمثابة مرحلة جديدة للتراجع الحضاري، وذلك لأن الرسول العظيم عندما اختط منهاجه العالمي، فان الملتزمين به كانوا من القلة التي لم تصمد بدفاعها عن قيم الرسول امام الكثرة من الذين لم يتمكنوا من ترويض نفوسهم بالقيم والتعاليم الكبرى التي رسمتها سلوكيات الرسول الاعظم ، وهذا ما يدفعنا للقول والايمان بأن شهادة الرسول كانت بحق شهادة امة .