عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

مجرد رقص في الزوراء

المقالات 21 سبتمبر 2016 0 182
مجرد رقص في الزوراء
+ = -

 

104 مشاهدة آخر تحديث : الأربعاء 21 سبتمبر 2016 – 10:27 صباحًا

قد لا تعد أرصفة الدول مداسا للاقدام وحسب غير كونها مهرجانات مصغرة لهواة الغناء والرقص. الامر الذي يظنه البعض «استجداءً» يراه اخرون فنا لموهوبين لم يجدوا حتى اللحظة، الجدار الذي سيقفزونه نحو ضفة نجاحهم. تشاهدهم وهم يستعرضون كامل قواهم الفنية، اغانيهم واصواتهم العالية، رقصهم المستمر وآلاتهم الموسيقية تشاركهم كل هذا الاحتفاء الذي لا ينتهي. المارة يقفون ويبتسمون لهم، بعضهم يفضل تصويرهم او وضع مبلغ من المال لهم. والبعض الاخر منهمك باتصال هاتفي او حديث جانبي فلا ينتبه كثيرا، اذ تعد هذه المشاهد مكررة، طبيعية، واعتيادية جدا، ولا حاجة لمناسبات او احتفالات ليقرر خلالها هؤلاء الهواة الجلوس على الارصفة والغناء والرقص. قبل عدة ايام انتشر مقطع لفيديو في متنزه الزوراء في بغداد لمجموعة من شباب مراهقين وهم يتراقصون على انغام احدى الاغنيات الدارجة، المقطع انتشر في كل مكان تقريبا. مع ردود افعال تجعلنا نتساءل حقا اذا كنا نعيش في ذات الكوكب عن عدمه. المعلقون لم يتركوا منفذا للتفكير حتى بحركات هؤلاء الشباب. اغلقوا عقولهم وتوجهوا لشتمهم بغلاف الدين والعادات والتقاليد والادب والتهذيب او تقليد الغرب الكافر! اوه حقا؟ so poor! للاسف، تقضي مجتمعاتنا على انفسها بانفسها، دون الحاجة لوسيط روحاني او تدخل خارجي او خطة ماسونية للتهديم، انها مثل بكتيريا تتعمد القضاء على كل شيء يولد. نمارس الموت فقط وكأن ذنبنا الوحيد اننا ولدنا في بلد لا يوزع سوى الموت، فصرنا نستكثر حتى ممارسة حياتنا بصورة طبيعية بل ونجدها امرا غريبا ومادة جيدة للاستنكار او حتى لالقاء اللوم عليها لما يجري بنا. اذ غالبا ما نبحث عن اسباب حدوث كل هذه الامور السيئة من الموت والحروب، وفي الغالب نجدها عند فيديو لشباب لم يروا شيئا في حياتهم سوى الموت وحاولوا التلطيف قليلا بالرقص في متنزه مجاني ومتاح للجميع! ما حدث من اساءات للشباب في الفيديو يشبه كثيرا ما يحدث لكل شخص جديد يظهر كل مرة، اننا نبيع المثاليات والعادات والتقاليد مجددا بألفاظنا البذيئة وشتائمنا السوقية من اجل الحفاظ على عاداتنا، اننا نطعن بشرف كل من يخالفنا ونكرر ايات الله بعد شتمنا لهم. اننا لا نفهم سوى التنكيد على غيرنا والطلب منهم ان «يطمون» روحهم ويعيشون في هذه الحفرة دون تنفس حتى انتظار سيارة مفخخة تريحهم من هذا الجحيم. ما الذي فعله «المتراقصون في الفيديو» حتى ينهال الجميع عليهم بكل هذه الوحشية؟ لقد رقصوا وحسب، لقد هزوا اجسامهم يا الهي وحسب. اغلب هؤلاء الشباب هم من الطبقة الفقيرة للغاية، من العمال واصحاب البسطيات والمحال البسيطة، تجد اغلبهم يعيش حياته منذ الصباح حتى الليل لينقذ عائلته من جوع محتم، وليس له سوى العيد ليشتري ثيابا بمبالغ بسيطة ويذهب لاماكن بسيطة يمارس حريته لساعات معدودة قبل العودة الى حياته المملة والمعتادة، فلا يملك اموالا طائلة ليدخل نوادي كالصيد والعلوية، ومئة الالف التي يصرفها العديد في ليلة بحفلة لفنان رديء تكفيه لأشهر، فلا تنفع العشرة آلاف في جيبه سوى الزوراء. انها الطبقية التي لا تنتهي! والتي لا يهرب منها كل «شروگي» كتب له ألا يعيش كما يحب لئلا ترمى فوقه عبارات السخرية! انهم يرقصون وجعا، يحاولون اخراج كل هذا الموت المتعلق باجسادهم لساعات فقط. هم يدركون مستقبل بلادهم المشابه لمستقبلهم ويرقصون تناسيا، هم ينتظرون العيد، او فوز المنتخب او السنة الجديدة «ليكون رقصهم مبرراً» لانهم لا يستطيعون فعل ذلك في الايام الاخرى. لم لا نفعل شيئا في حياتنا بدلا من مصادرة افراح الاخرين؟ اذ كنا معتادين البؤس فلا نزرعه في ارواح الاخرين. لطفا، دعوهم يلونون حياتهم الرمادية بالالوان التي يحبونها. «رجاء، على كيفكم وياهم!»

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار