حــازم مــبــيــضــيــن
أخذت السلطان أردوغان العزة بالإثم، بعد توصية البرلمان الأوروبي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد، وكان آخر ما جادت به قريحته قوله، إن الأتراك ليسوا ضيوفاً في أوروبا وإنما أصحاب الدار، وأن دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي غير قادرة على نبذ مواطنيه من أوروبا، واستنجد بالتاريخ العثماني الغابر، ليؤكد أن الأتراك موجودون بدولتهم وثقافتهم وحضارتهم في أوروبا منذ 650 عاماً بلا انقطاع، وكأنه يُذكر بالاحتلال العثماني لأجزاء من أوروبا، وبأن هذا الوجود سيستمر في المستقبل. ومعتمداً على الواقع الراهن، أشار إلى أنه يعيش حوالي 5 ملايين تركي في العديد من الدول الأوروبية. وانتقل إلى لغة التهديد مخاطباً الأوروبيين بأن زمن الإقدام على خطوات أحادية الجانب قد ولّى، مذكراً بقدرته على إرسال أفواج من اللاجئين عبر البحر، بهدف إرباك وإحراج دول الاتحاد الاوروبي، التي استقبلت مئات الآلاف منهم رغم ما يسببه لها ذلك من إشكالات، ولعل أبرزها خدمتها لأحزاب اليمين المتطرف المُعادية للاسلام والمسلمين، التي تجد في فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو المعادي للاسلام والهجرة نموذجاً، ومصدر أمل بالفوز في الانتخابات المقبلة، في فرنسا وألمانيا. جاء الموقف الأوروبي نتيجة الإجراءات الأمنية، وحملة الاعتقالات التي اتخذتها حكومة أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وتوترت العلاقات بعد سنوات من المفاوضات المتقطعة، بدأت العام 2005، ورغم كل هذه السنوات فإن تركيا لم تستكمل معايير الانضمام للإتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد تفرد أردوغان بالحكم بعقليته التوسعية المُستندة إلى التراث العثماني، وقد نصّب نفسه مسؤولاً عن سعادة وحرية ورفاه العراقيين والسوريين، متعهداً بتحقيق ذلك بالقوة العسكرية، لأن هذا الموقف تراث تاريخي للأتراك كما يقول، وعملياً فإن تصريحه بأن عملية درع الفرات تستهدف إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، دليل على غروره وأطماعه، وهو كعادته تراجع عن مقولته البائسة، بعد الموقف الروسي الايراني الحاسم والرافض لهكذا أفكار. هكذا ونتيجة لحملة القمع الداخلية والمغامرات الخارجية، حسم البرلمان الأوروبي الأمر متجاوزاً مرحلة «لعم»، التي سادت الموقف الأوروبي عقداً من الزمان، فلا هي تقول لا واضحة وحاسمة، ولا هي تقول نعم لاستكمال خطوات انضمام تركيا للاتحاد، وبالرغم من أن قرارالبرلمان الأوروبي غير مُلزم للاتحاد، إلا أن تهور أردوغان دفعه للقول إن القرار لا قيمة له، مزهواً بما كان تحقق من التقدم الاقتصادي لبلاده، متجاهلاً أن هذا الاقتصاد يتعرض اليوم لهزات عنيفة قد تطيح بما أحرزه من مكاسب، وهو يتوهم أن الاتحاد الأوروبي لم يعد نموذجاً للتطور الحضاري والاقتصادي والديمقراطي، وأن مسيرته السياسية تتجه نحو المزيد من اليمين وسيادة الشعبوية، متجاهلاً أن لدى الاوروبيين شعوباً وحكومات نظرة سلبية لبلاده، باعتبارها دولة إسلامية مختلفة الهوية عن البُنية الحضارية للاتحاد الأوروبي. قبل حقبة أردوغان المظلمة ظل المسؤولون الأتراك على قناعة بأن مسألة تحقيق المعايير والقيم الأوروبية هي مسألة وقت لا أكثر، وأن الاختلاف الحضاري هو العقدة الحقيقية في عدم قبول تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، وهكذا فإن السؤال المتعلق بقضية الهوية والعضوية يبقى مطروحاً على الجانبين، وهنا نسأل هل نجحت تركيا في تحقيق معادلة التوفيق بين الهوية الإسلامية والعلمانية الأوروبية؟ وهل تنازل الاتحاد الأوروبي بقبوله دولة إسلامية في عضويته عن بنود ميثاقه التي تقر بانسجام دوله حضارياً وثقافياً واجتماعياً؟ لعل الإجابة عن السؤالين، تُفسر مستقبل العلاقة التركية الأوروبية وما وصلت إليه اليوم من تأزم. يُطالب الأوروبيون تركيا بإلغاء تركيا العمل بقانون الطوارئ ووقف حملات الاعتقال، واستئناف العملية السلمية مع الكرد، وعدم العودة إلى العمل بعقوبة الإعدام ، وتقديم تنازلات في المشكلة القبرصية، والأهم تكثيف الجهود للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا، والكف عن التلويح بخيارات التوجه نحو روسيا ومنظمة شنغهاي، في حين ترى أنقره أن على الاتحاد الأوروبي مراجعة مطالبه هذه، لانها ستؤدي إلى تصعيد العنف، كما أن الاتحاد الأوروبي لم ينفذ التزاماته المالية وفقاً للاتفاق بخصوص تدفق اللاجئين، ويتلكأ في تنفيذ وعده بمنح تأشيرة شينغن للمواطنين الأتراك، غير أن الأوروبيين يرون أن سياستهم التدخلية هي حق لهم، طالما أن تركيا تريد الانضمام إلى عضوية اتحادهم، بما يشكله من قيم ومعايير، في مجال حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية. المهم أن بحث تركيا عن بدائل، لن يعني التخلي عن محاولات الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، فتطوير العلاقات مع منظمة شنغهاي، لا يعني أن تركيا ستضطر إلى إنهاء علاقاتها مع الدول الأخرى، لأن ذلك سيؤثر على سياساتها وتوجهاتها، وسيؤثر على شركائها الاقتصاديين، وعلى المستثمرين الأجانب، وسيصعب من موقف الحكومة والشركات التركية في الاتفاقات الثنائية مع الدول الأوروبية، وكل ذلك فيما يقاتل أردوغان على عدة جبهات، يُقاتل الكرد في سوريا وشرق تركيا، ويتوغل في الأراضي السورية ويصطدم بالنظام في دمشق، ويعادي مصر، ويخوض حرباً ضد «داعش»، ويتحدى العراق بإبراز أطماعه في الموصل، والدولة الوحيدة من دول الجوار التي تتمتع بعلاقة جيدة معها هي إسرائيل، ومبروك عليه ذلك، ولكن إلى متى؟.
* كاتب وصحفي أردني