مئات المسيحيين في برطلة يرفعون الدعوات للسلام والخير في العراق
خاص الموصل/ وكأن الإشارة الرمزية التي يبعث بها العراقيون والمسيحيون بصفة خاصة حين يقيمون قداسهم الأول في هذه الكنيسة التي تطهرت من رجس “داعش”، أن “القديسة أشموني التي قدمت نفسها وأولادها السبعة فداء لعقيدتها وأرضها” باقية كشاهد على عراقة شعب الرافدين الخالد واستعداده للفداء والتضحية في سبيل وطنه وعقيدته التي لن تستطيع قوى الإرهاب التكفيري مهما حاولت أن تطمس حضارته أو تقتلع جذوره. وقال المطران موسى شمالي رئيس طائفة السريان الارثوذكس الذي ترأس أول قداس في كنيسة “مار أشموني” في بلدة برطلة التابعة لقضاء الحمدانية المحرر من عصابات “داعش” الإرهابية: إن “هناك شعورا بالحزن لما أحدثه الإرهابيون في أماكن مسيحية مقدسة، لكنه يمتزج بالسعادة للاحتفال بأول قداس في البلدة منذ قرابة 3 سنوات”. وأضاف بعد مراسيم القداس وسط ابتهاج آلاف المصلين المسيحيين، ان “الصلاة أقيمت من اجل السلام واعادة الامن والامان الى جميع المناطق العراقية بشكل عام وخاصة محافظة نينوى ومركز مدينة الموصل الذي يضم كافة الطوائف والاقليات من ابناء الطائفة المسيحية وغيرهم”. وأعرب المطران عن “امتنانه للقوات العراقية التي شاركت في تحرير منطقة سهل نينوى من بطش عصابة “داعش” الإرهابية”. وابتهل المطران شمالي إلى الله أن “يحفظ قواتنا العراقية المحررة في كل أرجاء محافظة نينوى والتي اعادت البهجة والسرور لكل الطوائف بعد تحرير اجزاء كبيرة من محافظة نينوى، وان يرحم الشهداء العراقيين من مدنيين وقوات مسلحة”، وحضر القداس العشرات من القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية في نينوى.
أجراس الكنائس بدورهم، أوضح رجال الدين المسيحيون أن هذا القداس هو الاول الذي يقام في ناحية برطلة المحررة بعد تحرير مناطقهم، حيث كان يقام في فترة احتلال “داعش” للمنطقة في كنائس ناحية “عين كاوة” داخل محافظة اربيل “بعيدا عن موطننا الاصلي الحمدانية في محافظة نينوى حيث يكون لأجواء قداس أعياد الميلاد نكهة خاصة لكل مسيحي من سكان السهل في نينوى”، بحسب تعبير المطران داود بولص، الذي أضاف أن “الفضل في إقامة هذا القداس يعود لقواتنا الباسلة التي قدمت التضحيات الكبيرة في سبيل تحرير مناطقنا”. وأضاف بولص، ان “الكنائس دقت اجراسها كافة في سهل نينوى مع اقامة اول قداس في برطلة”، داعيا الرب لان “يبعد الارهاب عن العراق بالكامل ويعيد السلام والتعايش مع كافة الاقليات والطوائف المتواجدة”، وبين بولص ان “الكنائس اختصرت طقوس اعياد الميلاد المجيد باقامة القداس فقط ومنع اقامة الاحتفالات التي كانت تقام في السابق اجلالا لارواح شهدائنا الابطال من كافة القوميات والطوائف التي شاركت بتحرير مناطقنا والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والسكن بجنات الخلد”. من جهته، قال القس مينا بطرس: “اليوم (الأحد) ستدق الاجراس مرتين؛ الاولى ابتهاجا بعيد ميلاد السيد المسيح والثانية فرحة باعادة مناطقنا المغتصبة الينا في سهل نينوى ومدينة الموصل”، ويتمنى بطرس اعادته الى مناطق سكناه الأصلية في الموصل مع الآلاف من المسيحيين الذين غادروا المدينة بعد طردهم من منازلهم على يد “داعش”، وإجبارهم على النزوح القسري.
أمنيات المحتفلين وتقول السيدة “أم فنر” من سكان بلدة كرمليس المحررة وكانت من بين المشاركين في قداس برطلة: إن “أعياد الميلاد حاليا اقتصرت على الصلاة ترحما لشهدائنا الذين شاركوا بتحرير الموصل ومحافظة نينوى بالكامل”، وأضافت أن “مسيحيي العراق يدعون في كل صلاة بالفرج القريب واعادة الحياة كما كانت مع وجود التعايش السلمي لكافة الطوائف والاقليات”، من جانبها قالت المواطنة المسيحية غيداء كنان 34 عاما بأنها “جاءت من محافظة السليمانية فقط لحضور القداس الذي اقيم في ناحية برطلة”. وأضافت أنها “نذرت للرب بالصلاة في اول قداس يقام بعد اعادة مناطق سهل نينوى ويضم رجال الدين من جميع الطوائف بعد طرد “داعش” الارهابي من مناطقنا وكنائسنا في سهل نينوى”، واضافت أن “للقوات العراقية فضلا كبيرا بإعادة الفرحة مرة ثانية والبسمة على جميع المسيحيين بإقامة هذه الصلاة في المناطق التي اغتصبت من قبل “داعش” وأعيدت لنا بفضل قواتنا الباسلة”. وقالت شروق توفيق وهي ربة بيت عمرها 52 عاما كانت قد نزحت إلى مدينة أربيل: “هذا اجمل يوم في حياتي، أحيانا كنت أظن أنه لن يأتي”.
تغطية عالمية وفي تغطيتها لحدث إقامة القداس في برطلة، أكدت وكالة “رويترز” في تقرير لها أمس السبت، أن “إقامة القداس الديني خطوة مهمة بالنسبة للمكون المسيحي في برطلة، لتجاوز الآثار المدمرة التي خلفها تنظيم “داعش” الإرهابي في المدينة”، بينما رأت وكالات أجنبية أخرى أن “إقامة قداس برطلة حدث رمزي كبير يبث رسالة عراقية واضحة بأن العراقيين متمسكون بأرضهم ووطنهم ولن يتركوه للقوى الإرهابية مهما غلت التضحيات”.