عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

{صورة أب}.. وجه حقبة

المقالات 09 مارس 2017 0 224
{صورة أب}.. وجه حقبة
+ = -
 13 مشاهدةآخر تحديث : الخميس 9 مارس 2017 – 8:51 صباحًا
عقيل عبد الحسين

يتمتع كتاب(صورة أب) لـ(رفعة الجادرجي) (1985-1926) بعدد من المزايا من بينها أنه يكتب السيرة الغيرية بطريقة ذاتية، فهو ينقل تأثيرات الأب، وهو كامل الجادرجي (1964-1897) السياسي العراقي المعروف أحد مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي، في نفس الابن، وهو الراوي رفعة الجادرجي. وهو لا ينقل من الأحداث إلا ما يعلق في ذاكرته، وما أثر في شخصيته من حياة طويلة عاشها مع الأب، وخبر عن قرب علاقاته السياسية واجتماعاته، وعلاقاته الاجتماعية في حقبة تميزت بكثرة الشخصيات المرموقة اجتماعيا وسياسيا كجعفر أبو التمن وبكر صدقي وياسين الهاشمي ومحمد حديد وغيرهم وكلهم تربطهم بالأب علاقة صداقة، أو هو يعرفهم معرفة شخصية كمعرفته بنوري السعيد وبالوصي عبد الإله وبعبد الكريم قاسم الذي التقاه مرة. وهو يصدر تقييماته على شخصياتهم، فيسمعها الابن، ويحتفظ بها في ذاكرته فقط، من غير أن يدونها في حينها، وهو ما يجعل سرد الكتاب أقرب إلى الرواية، منه إلى تقييد الحوادث التأريخية، والرغبة في تحري الحقيقة الذي تتسم به المذكرات أو اليوميات التقليدية. ولذا يميل الكتاب إلى التصوير وتحري أوصاف الشخصيات الخارجية والداخلية وسلوكياتها، فعباس وكيل كامل الجادرجي في إدارة مزارع العائلة، كان مربوع القامة يميل بدنه إلى السمنة يرتدي اللباس العربي المعتاد، وكان نظيفا وأنيقا (ص63).وهكذا يكون وصف شخصيات أخرى كثيرة، عامة وشعبية، ترد في الكتاب. التصوير يضفي على الكتاب سمة الإنسانية التي تجعله جديرا بالتأمل واستنتاج المعاني الاجتماعية والثقافية التي سادت المجتمع العراقي في حقب الملكية والقاسمية وتفسير التغيّرات التي مرت بالعراق وصولا إلى وضعه الراهن. يتسم الكتاب بالنزاهة والموضوعية، فالكاتب لا يترك التقييمات، حتى السلبية منها، التي يتلقاها من أبيه بشأن شخصيات معروفة، كالملك غازي الذي يوصف بأنه طيب ولكنه سهل خداعه، وكعبد الكريم قاسم الذي يسير بالبلاد إلى الدكتاتورية، وعبد السلام عارف الذي يوسم بالطائفية. وغير هؤلاء شخصيات كثيرة ينقل رفعة تقييمها الموضوعي عن الأب ويضعها أمام القارئ الذي يحتاج إلى أن يطلع على تفاصيل تاريخية وإنسانية عن تلك الحقبة من تاريخ العراق السياسي والاجتماعي. ولا يترك رفعة ذكر بعض الصفات السلبية للأب نفسه، الذي كان متزنا وموضوعيا وتقدميا، ولكنه في الجانب الإنساني منه يمكن أن يكون متحاملا على أحدهم،إلى درجة تقترب من الوشاية، كما فعل في تقديمه صورة لضيوفه الثوريين، في العهد ما بعد الملكي، شخصية تدعى محمد السعدون، والصورة تظهره في استقبال الوصي في العام 1941. ومثل هذه التفاصيل تجعل القارئ أقرب إلى الثقة بما يرويه الكتاب، وتعزز الجانب الأدبي فيه؛ فهو ليس كتاب مدح أو تعظيم، وليس كتاب تزويق للتاريخ، أو دفاع عن حقبة أو شخص بعينه، بقدر ما هو كتاب يصف النفس الإنسانية، والعلاقات الإنسانية التي تتحرك وتنمو وتتبدل في ظروف تاريخية معينة. ووظيفة الكتابة هي الرصد المخلص لتلك الحركة وتقديمها للقارئ تاركا الحكم له. ولعل هذا ما يجعل الكتاب مفيدا لنا الآن، فهو يصلنا بحقبة فصل بيننا وبينها أكثر من نظام سياسي، وحقبة تظل معرفتها ضرورية لترميم ذاكرتنا الجمعية،أو الوطنية، المخربة. وهو ترميم ضروري لإعادة ترتيب بنياننا الوطني والثقافي المهدم. ترميم ينبغي أن نعمل عليه أدبيا وثقافيا بوسائل متعددة، فما أجدر هذا الكتاب- وربما غيره- بأن يُنتج تلفزيونيا في مسلسل، ومن دون غايات سياسية أو انتقادية أوإقصائية، فهو نفسه تجرد من أية غاية سوى الغاية الإنسانية. هذه دعوة لمن يعنيهم الشأن الوطني والتاريخي والثقافي العراقي لنقل هذا الكتاب إلى الدراما، وإدخال مقاطع منه في الكتب الدراسية. وهي دعوة تشمل بالتأكيد كتبا سردية أخرى غير هذا الكتاب، تتسم بالحس الإنساني في تتبع التجارب الإنسانية لكتّابها ومن يتصل بهم من أناس عانوا كثيرا من التبدلات السياسية العراقية الحادة وما صحبها من دكتاتورية وحروب وإرهاب.

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار