عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

مسؤول أميركي: استفتاء كردستان يضع المنطقة في حالة توتر

محليات 14 سبتمبر 2017 0 206
مسؤول أميركي: استفتاء كردستان يضع المنطقة في حالة توتر
+ = -

 

60 views مشاهدةآخر تحديث : الخميس 14 سبتمبر 2017 – 10:32 صباحًا
 

ترجمة / أنيس الصفار كان هذا الصيف مفعماً بالاحداث، وفي الشرق الاوسط بشكل خاص. ابتدأ الامر بالمشاجرة القطرية في يوم 5 حزيران، ولم يلبث ان اعقبها التغيير الذي حدث في سلسلة ولاية العرش السعودي. بعد ذلك وقع العنف والاحتجاجات بشأن الاجراءات الامنية التي اتخذت في الحرم الشريف في القدس. وفي العراق حررت مدينتا الموصل وتلعفر، كما نجحت قوات الدفاع السورية المدعومة من الجانب الاميركي في التقدم نحو مدينة الرقة التي اعلنتها “داعش” عاصمة لدولتها المزعومة.

اما اليمن فقد انزلق اكثر في منحدر الكارثة الانسانية بظهور 600 الف حالة اصابة بمرض الكوليرا ناهيك عن شبح المجاعة الوشيكة. وفي المغرب تفجرت احتجاجات كان سببها مقتل بائع سمك في الخريف الماضي على يد الشرطة. ادارة ترامب من جانبها اوقفت مساعدات عسكرية الى مصر قيمتها 300 مليون دولار متذرعة بدواعي قلق تتعلق بالجانب الجيوسياسي وحقوق الانسان. وفي تركيا تواصلت عملية التطهير الواسعة.

تبعات مستقبلية الى جانب ذلك كله كانت هناك قصة اخرى من الممكن تترتب عليها تبعات مستقبلية جسيمة، ولكنها لم تحظ بأكثر من اهتمام عابر. فخلال الصيف كله بعض الكرد دائبون يتهيأون لاجراء عملية استفتاء على الاستقلال حدد لها يوم 25 ايلول. الشرارة التي اطلقت ذلك قبل ثلاثة عقود كانت حملة الانفال سيئة الصيت التي وقعت في الاشهر الاخيرة للحرب العراقية الايرانية (من 1980 الى 1988) التي قتلت خلالها قوات الدكتاتور صدام ما يقارب 100 الف كردي. كما تقول منظمة “هيومن رايتس ووتش”. كان من بين هؤلاء الضحايا خمسة آلاف مدني ماتوا ميتة بشعة عندما اسقطت القوات العراقية غاز الخردل وعامل الاعصاب المسمى “سارين” على بلدة حلبجة. بعدها بثلاث سنوات اجبر الكرد على الخروج من العراق في موجة نزوح شاملة باتجاه تركيا وذلك عندما انتفضوا ضد صدام في اعقاب اخراج التحالف بقيادة الولايات المتحدة الجيش العراقي من الكويت. رداً على ذلك أمر الرئيس الاميركي آنذاك “جورج أتش دبليو بوش” بإقامة منطقة حظر للطيران يمنع على الطائرات العراقية دخولها فوق خط العرض 36 وذلك لاجل حماية الكرد. هذه الاحداث الجارحة لم تكن سوى الابرز والاشد فظاعة في العلاقة الدموية بين النظام المباد وكرد العراق، لأن العنف كان سمة روتينية تتخلل جميع المساعي الهادفة الى اضعاف الكرد وقمع تطلعاتهم القومية.  من جهة اخرى شرع الدكتاتور صدام بحملة تعريب اراد منها تغيير الوضع الديموغرافي في المناطق التي يمثل فيها الكرد اغلبية السكان. كانت منطقة كركوك منذ وقت طويل متنوعة السكان الذين يتألفون من الكرد والعرب والتركمان. استمرت دوريات الطائرات الاميركية والبريطانية فوق منطقة حظر الطيران في شمال العراق (وكذلك منطقة اخرى في جنوبه) حتى آذار 2003 حين انطلقت عملية اسقاط النظام الدكتاتوري، وعندئذ صارت من ضمن المناطق المتنازع عليها. خلال السنوات الاثنتي عشرة ما بين حربي العراق تمكن الكرد من انشاء اقليم لانفسهم داخل الدولة. وفي العام 1992 اسس البرلمان الوطني الكردستاني حكومة اقليم كردستان في اربيل والسليمانية ودهوك. وعندما اصبحت المحافظات الكردية الثلاث “منطقة حكم ذاتي” بشكل رسمي عقب الترتيبات السياسية.

امتيازات القادة الكرد كانت حكومة اقليم كردستان تتمتع بمزايا وخصائص مماثلة لما تمتعت به قبل الاحداث، فهي لها برلمان ورئاسة ووزارات وجيش، ولكن مع اسقاط نظام صدام على يد الاميركان بدا الاستقلال الكردي اقرب الى التجسد. غير ان وضع الاقليم كان له مزاياه ايضاً، مثلاً ان الزعماء الكرد العراقيين كانوا ينعمون بجميع الامتيازات من دون الاضطرار الى تحمل كامل المسؤوليات التي يمليها المنصب الحكومي الفعلي، فمسعود بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان يستطيع ان ينسب لنفسه الفضل في جميع المنجزات والمكتسبات التي تحققها حكومته، ولكنه في الوقت ذاته لديه عذر جاهز متمثل بالحكومة المركزية في بغداد التي يستطيع القاء اللوم عليها كلما تعسرت الامور. كذلك مكن وضع الاقليم الكرد من بناء كردستان باموال يحصلون عليها من الحكومة المركزية، مؤكدين على طول الخط انهم لن يكونوا طرفاً مشاركاً في تفتيت العراق. بيد ان هذا الترتيب له ايضاً مداه وحدوده، فالقيادة العراقية في بغداد لديها تصميم ثابت، كما يتصور الكرد، على التمسك بوحدة العراق وفق الدستور.  فوفقاً للموازنات الاتحادية المطبقة في العراق يفترض ان يحصل الكرد على 17 بالمئة من الواردات الحكومية، ولكن المسؤولين في اربيل يدعون ان بغداد تخادع الكرد باستمرار ولا تعطيهم نصيبهم من العائدات الذي نص عليه الدستور، فيما لا يسلم الكرد النفط حتى تأتيهم الاموال. هذا التشاحن المالي اغضب الجانبين الكردي والعربي وجعل الكرد يتجاهلون الاتفاقيات مع بغداد وفق ما يناسبهم. خير مثال على هذا قرار الكرد ببيع النفط بصورة مستقلة عن الحكومة العراقية، في وقت من الاوقات خلال العام 2014 بلغ هذا النزاع المتعلق ببيع حكومة اقليم كردستان للنفط حدوداً جعلت نائب الرئيس الاميركي “جو بايدن” يتدخل. وقد ساعد المسؤولون الاميركيون الطرفين على التوصل الى اتفاق في كانون الاول 2015، إلا ان هذا الاتفاق سرعان ما تعثر، الامر الذي جعل الكرد يبيعون النفط بدون اخذ موافقة من بغداد. في ذلك الحين كان احتلال “داعش” لمناطق في اكثر من محافظة. بالاضافة الى الاحباط المشترك وتبادل الاتهامات بين الطرفين هناك حقيقة ان جيل الشباب الكردي بشكل خاص لا يعرفون شيئاً عن اخوتهم العراقيين ولا يجمعهم بهم من المشتركات الا القليل. حتى اساطيرهم اساطير كردية لا حكايات المآثر العراقية. معارضة أميركية بين حكومة اقليم كردستان وحكومة بغداد تقف الولايات المتحدة تحت ادارة ترامب التي تعارض التوقيت الذي حدد للاستفتاء، وهي تضغط بقوة (وإن يكن بلا طائل) على بارزاني لكي يؤجل الامر. هذا الموقف يأتي منسجماً مع سياسة واشنطن بهذا الخصوص على مدى العقد الماضي او نحو ذلك والمتمثلة بترك الامور للزمن على امل ان يأتي الحل من تلقاء نفسه. الطبقة السياسية في الولايات المتحدة تكن للكرد حباً، ولكنها تكره فكرة الاستقلال الكردي. الحجج الجدلية التي يرتكز عليها الرفض الاميركي تبدأ باقتصاد حكومة اقليم كردستان الذي لا يرجح له ان يتمكن من النجاح، كذلك هناك المصاعب المتعلقة بقضية كركوك التي تأبى الحكومة العراقية التنازل عنها. ثم ان هناك المعارضتين التركية والايرانية ورفض بغداد للفكرة والالتزام الاميركي بوحدة العراق.

لعبة حافة الهاوية هذه الادعاءات تأتي غالباً وسط اجواء من الاستبعاد المقرون بالاستخفاف لدى بعض المعلقين والمحللين الذين يحاججون بان كل ما يحاول بارزاني فعله هو ممارسة لعبة حافة الهاوية مع خصومه (حيث ان بارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني يواجهون منافسين وخصوما اشداء) ومع بغداد بهدف التوصل الى صفقة افضل معها. بناء على ذلك يجادل هؤلاء بأن الاستفتاء لن يجرى، وحتى لو فعل فإنه لن يعني الكثير. ومن الواضح ان البعض مؤمن بأن كل ما يجري في الشرق الاوسط لا يخرج عن حدود سوق المساومات. مهما بدت دوافع اميركا لمعارضة توقيت الاستفتاء الكردي وجيهة فإنها تبقى مفتقرة الى قدر معين من الخيال والواقعية. فحتى لو كانت غاية بارزاني مثلا ان يلعب شكلا من اشكال المناورة بقصد اكتساب قوة للضغط على بغداد بشأن حصة حكومته من العائدات، وعلى افتراض انه لا ينوي بالفعل الانفصال عن العراق، فإن انخفاض اسعار النفط قد كشف عن خواء مزاعم اربيل بشأن بناء اقتصاد نشط نابض بالحياة. يعارض الاتراك استقلال اقليم كردستان لقلقهم من ان يسعى كرد سوريا ايضاً اليه، لاسيما ان الاتراك يخوضون حالياً معركة مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يعتبرونه جماعة ارهابية. بيد ان تركيا في الوقت ذاته من بين اكبر المستفيدين من حكومة اقليم كردستان، ولبارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني صلات وثيقة بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ويأمل الكرد ألا تؤثر مصادرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الحقوق القومية للكرد في تطلعاتهم نحو بناء الدولة. هذا الامل قد يكون له ما يبرره أو لا يكون، ولكن بصرف النظر عن ذلك يصعب على المرء ان يتصور قيام الجيش التركي بغزو العراق لاطفاء شمعة الاستقلال الكردي هناك. ومن شواهد هذا ما قام به الاتراك في سوريا وما تكشف عن محدودية قدرات جيش بدا اقل هولاً بكثير مما كان يتوقعه كثيرون من ثاني اكبر جيش في حلف “الناتو”. من هنا يكون مكمن المشكلة الحقيقي التي سيواجهها الكرد هما بغداد وطهران. فالايرانيون يعارضون الاستفتاء لاسباب شبيهة بما لدى الاتراك، حيث ان لديهم ايضاً شريحة من الكرد تقبع متململة تحت هيمنة النظام السياسي والثقافي الفارسيين.

مواقف رافضة بيد ان الايرانيين يمتلكون من الوسائل والقدرات على الحاق الاذى بالكرد تفوق ما لدى الاتراك ولهذا السبب يشعر المسؤولون في اربيل بالسخط على الولايات المتحدة التي تدعوهم الى تأجيل الاستفتاء لأنهم يرون في ذلك تشجيعاً للايرانيين على الاستمرار في تهديد الكرد. الموقف الاميركي من وجهة نظرهم مثير للحيرة، لأن المفروض بادارة ترامب ان تحاول تقليص نفوذ طهران لا تمكينها مما تريد. بيد ان اصعب العقد واعصاها بالنسبة للكرد هي معارضة القيادة العراقية. ففي يوم الجمعة الماضي حذر رئيس الوزراء حيدر العبادي الكرد من الدخول فيما وصفه بـ”النفق المظلم”، وهذا ينبئ بأن الطلاق الودي الذي يريده الكرد لن ينتهي بنتائج طيبة. من الواضح ايضاً ان العبادي ينتابه القلق من ان تستتب هذه كسابقة وعندئذ تحذو مناطق اخرى حذوها. من كل هذا يبدو ان العراق لن يعطي شعبه او الاميركيين فترة استراحة لالتقاط الانفاس. فما ان بدأ خطر “داعش”، الذي هدد وجود العراق ومصيره، بالانحسار حتى افصح الكرد عن أن فرصتهم للانفصال قد ازفت. ربما تتجاهل وسائل الاعلام اهمية ذلك، ولكن يجب ايقاف الاستفتاء.

ستيفن كوك/عن مجلس العلاقات الخارجية الاميركية

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار