بغداد / أربيل / سعد تركي سندس عبد الوهاب أكدت ردود الأفعال الرافضة لمشروع إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان، محلياً وإقليميا ودولياً، أن الصعوبات التي تعترض طريقه تزداد تعقيدا والمواقف تزداد سخونة وأحيانا «عدائية» كلما اقترب موعد إجرائه وتعنت الساعين للانفصال، ففي حين واصل رئيس الجمهورية مساعيه لـ«تلطيف الأجواء» في سلسلة لقاءات عقدها مع زعماء الكتل السياسية ومناقشة مبادرته للحوار بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان للوصول إلى حلول واقعية لأزمة الاستفتاء، شدد رئيس الوزراء حيدر العبادي على الموقف الواضح للحكومة المركزية بـ«اتخاذ كل الخطوات اللازمة لحفظ وحدة البلد ومنع كل ما يهدد السلم الأهلي».
وبينما شدد الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش على ان «تقسيم العراق لا يخدم الاستقرار في المنطقة»، وجدد الرئيس التركي رفضه لاجراء الاستفتاء الذي حذرت إيران من «خطوته»، ووصفته فرنسا بأنه «خطوة غير مناسبة»، مبينة أنّ «الدستور العراقي يتضمن عناصر شديدة الأهمية بشأن الحكم الذاتي يجب احترامها والحفاظ عليها عبر الحوار»، أصر رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، على موقفه وقال: إنه سوف يتفاوض بـ»سعادة»، مع بغداد «بعد الاستفتاء» في إعلان واضح عن رفضه مقترح الأمم المتحدة القاضي ببدء حوار مع بغداد ترعاه المنظمة الدولية. يأتي ذلك في وقت أدت فيه اشتباكات دامية في كركوك بين كرد وتركمان بسبب الاستفتاء إلى إعلان حظر للتجوال في المحافظة الغنية بالنفط.
مساعي ترطيب الأجواء وفي إطار حلّ الأزمة المتصاعدة بين بغداد وأربيل، واصل رئيس الجمهورية فؤاد معصوم مساعيه المستمرة مع ممثلي الكتل السياسية. وأفادت بيانات رئاسية، تلقتها «الصباح»، بأن معصوم التقى كلاً من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونائبي رئيس الجمهورية نوري المالكي واياد علاوي ونائب رئيس البرلمان آرام الشيخ محمد ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى همام حمودي، حيث استعرض، خلال اللقاءات، «التطورات على الساحة السياسية وخاصة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان والتجاذبات الحاصلة في ما يخص ملف الاستفتاء والسبل الكفيلة وايجاد الحلول لها». وشدد رئيس الجمهورية على «ضرورة تغليب لغة الحوار والتفاهم على لغة تؤزم الأوضاع والتشرذم»، مبيناً أن «الهدف من مبادرته للحوار بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان للوصول إلى حلول واقعية للمشاكل القائمة».
موقف حكومي واضح بدوره، أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي، خلال تلقيه اتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، على «الموقف الواضح للحكومة باتخاذ كل الخطوات اللازمة لحفظ وحدة البلد ومنع كل ما يهدد السلم الأهلي»، مؤكداً «أهمية التنسيق بين جميع دول المنطقة للقضاء على الارهاب بكل أنواعه». من جانبه، جدد أردوغان، رفضه اجراء الاستفتاء في اقليم كردستان، وأشاد بـ»الدور القيادي المتميز للعبادي واهمية بدء مرحلة جديدة لتلاحم ووحدة العراقيين جميعاً». إلى ذلك، أجمعت الأحزاب والكتل السياسية على رفض الاستفتاء وحذرت من تداعياته «الخطيرة» على وحدة البلاد واستقرار المنطقة ودعت إلى بدء حوار بناء بين بغداد واربيل.
إجماع وطني وأعرب التحالف الوطني، في بيان له، عن رفضه إجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان، مؤكداً عدم اعترافه بنتائج الاستفتاء، فيما دعا إلى إجراء حوار وطني جدي عميق ومتوازن لحل المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. فيما أكد حزب الدعوة الإسلامية، أن استفتاء إقليم كردستان العراق «أربك» المشهد السياسي و»أقلق» الوضع الأمني، فيما عده قرارا «انفراديا». وتابع الحزب، في بيان، أن «الاستفتاء يعد فاقدا للشرعية الدستورية والقانونية ولا تترتب عليه آثار»، مؤكدا «تمسكه بالاحتكام الى الدستور في كل القضايا الخلافية بين بغداد واربيل». ودعا حزب الدعوة الكرد الى «الحوار الوطني الشامل للتوصل الى صياغة الحلول للمشاكل والقضايا الخلافية»، مشدداً على «أهمية الضمانات الوطنية المتقابلة بين شركاء الوطن وأطراف العملية السياسية، وان تتم الاستفادة من بعثة الأمم المتحدة عند الحاجة وحسب تقدير الحكومة الاتحادية، ويرفض التوجهات نحو تدويل هذه الأزمة، لأنه مصادرة لسيادة العراق». وفي السياق، اكد التحالف العراقي للكرد الفيليين، ضرورة تغليب القوى السياسية الكردية للحكمة والتعقل، فيما دعا الكرد الى الحذر من «العواقب الوخيمة لأية مغامرة سياسية متسرعة». وحذر التحالف من «أي اعتداء على الكرد الفيليين ومناطقهم»، مؤكدا أن «التحالف سيقف مدافعاً عن هذا المكون بكل قواه وقفة موحدة مسؤولة».
تسوية سياسية على الصعيد الدولي، عبر الامين العام للامم المتحدة انتونيو غوتيريش، على هامش لقائه بالرئيس الإيراني حسن روحاني في مقر المنظمة الأممية بنيويورك، عن قناعته ان «المشاكل الراهنة في سوريا والعراق لا يمكن تسويتها الا بالحلول السياسية والحوار مثلما يجري حاليا الان في استانة بمبادرة ايران وروسيا وتركيا وما تقوم به الامم المتحدة في جنيف»، مشدداً على ان «تقسيم العراق وسوريا لا يخدم الاستقرار في المنطقة ونحن مستعدون للتعاون مع ايران لترسيخ اسس السلام والامن في المنطقة». فيما حذر روحاني، خلال اللقاء، من «الخطورة الكبيرة لموضوع الاستفتاء في اقليم كردستان واي خطوة لتغيير جغرافيا المنطقة». كما حذر رئيس مجلس خبراء القيادة بإيران أحمد جنتي، أمس الثلاثاء، من أن ما وصفها بـ»القوى المعادية» تخطط لإقامة «إسرائيل جديدة»، عبر إجراء الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان، عاداً ذلك «مؤامرة لن تتحقق» ويجب دعم الشعب العراقي لعدم السماح بها. وفي السياق، دعا وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان رئاسة الإقليم لقبول مقترح الامم المتحدة بشأن الغاء استفتاء الاستقلال. وقال السبهان، في تغريدة على موقع تويتر: «أتطلع لحكمة وشجاعة رئيس الاقليم مسعود بارزاني بقبول الوساطات الدولية لحل الأزمة الحالية ضمن مقترحات الأمم المتحدة وتجنيب العراق لأزمات هو بغنى عنها». في حين، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الاستفتاء الذي تعتزم حكومة إقليم كردستان إجراؤه في 25 أيلول الجاري بشأن الانفصال، بأنه «خطوة غير مناسبة». ودعا لودريان ، في مؤتمر صحفي عقده بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، «الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم للجلوس على طاولة الحوار، مبيناً أنّ الدستور العراقي يتضمن عناصر شديدة الأهمية بشأن الحكم الذاتي يجب احترامها والحفاظ عليها عبر الحوار».
إصرار كردي وفيما يبدو أنه ردّ على دعوات المجتمع الدولي إلى إلغاء أو تأجيل الاستفتاء، قال رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، في اجتماعه مع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون: إن «البدائل المقترحة من قبل المجتمع الدولي تصر على إجراء المفاوضات قبل الاستفتاء، لكنها لا تضمن رغبة بغداد في بدء المفاوضات بشأن الاستقلال». ووفقاً لبيان رئاسة الإقليم، فقد «تحدث بارزاني عن تجارب إقليم كردستان الطويلة وأكد إذا لم نستطع أن نكون شركاء جيدين داخل العراق، علينا أن نكون جيران أعزاء»، واشار البيان إلى أن « بارزاني قال: إن إقليم كردستان سوف يتفاوض بسعادة مع بغداد بعد الاستفتاء». وأضاف بارزاني، بحسب البيان، أن «البدائل المقترحة من قبل المجتمع الدولي تصر على إجراء المفاوضات قبل الاستفتاء، لكنها لا تضمن رغبة بغداد في بدء المفاوضات بشأن الاستقلال». واختتم البيان، أن «بارزاني وفالون انهيا الاجتماع على أمل أن تحل جميع المسائل المعلقة عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية الأخرى». تطور خطير
وفي تطور خطير لنتائج الدعوة للاستفتاء، فرضت شرطة كركوك حظراً للتجوال في المحافظة بعد اشتباكات دامية بين كرد وتركمان. وانتشرت الشرطة في المدينة للحيلولة دون تطور اشتباك مميت إلى صراع عرقي وأقامت قوات الأمن الكردية والشرطة نقاط تفتيش في أنحاء كركوك بعد مقتل كردي في اشتباك مع حراس مكتب حزب سياسي تركماني في المحافظة. وقالت مصادر أمنية: إن كرديين اثنين آخرين وحارساً تركمانياً أصيبوا أيضا بجروح في الاشتباك الذي اندلع عندما مر أكراد في سيارات أمام مكتب الحزب التركماني احتفالا بالاستفتاء وهم يحملون الأعلام الكردية، مضيفة أن القتيل الكردي والمصابين الاثنين كانوا من بين المشاركين في الاحتفال.
قرار ملزم إلى ذلك، عدّ النائب عن تيار الحكمة، حسن خلاطي، أن قرارات المحكمة الاتحادية «ملزمة» لجميع الاطراف السياسية في البلاد، فيما دعا اقليم كردستان الى «عدم التعنت» بالمواقف. وقال خلاطي، في تصريح صحافي: ان «مجلس النواب سبق له وان قرر ان الاستفتاء لا يستند الى مادة دستورية او قانونية للمضي به، وجاء قرار المحكمة الاتحادية لتأييد هذا الموقف»، لافتا الى أن «هناك رغبة لدينا بالتزام الطرف الاخر بقرارات المحكمة الاتحادية وما نص عليه الدستور و ألا يكون هناك اي تعنت بالمواقف لانها لن تصب بمصلحة احد». واكد خلاطي، أن «طريق المفاوضات والحوار الدبلوماسي هو الطريق الافضل والاسلم لحل الخلافات بعيدا عن لغة التصعيد التي لن تجدي اي منفعة». بالمقابل، توقع مستشار رئيس برلمان كردستان العراق طارق جوهر ان تكون الكونفدرالية حلا مع بغداد بعد نتيجة الاستفتاء في الإقليم. وقال جوهر انه» بعد نتيجة الاستفتاء سندخل في حوار جدي مع بغداد من أجل الاتفاق على صياغة جديدة في العلاقة بين الطرفين، فربما تكون الكونفدرالية حلاً». لكن القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني وعضو اللجنة العليا لاستفتاء الإقليم سعدي بيره قال، لـ»الصباح»: إن «ما يميز حزبنا الاتحاد الوطني الكردستاني هو الإصرار على إجراء الحوار المتبادل والمفاوضات مع الحكومة الاتحادية بشأن الاستفتاء والوصول الى نتائج ترضي الطرفين مع رغبتنا بإجراء الاستفتاء في وقته لكون موقفنا مع الكل وأيضا يبقى الاتصال مع الحكومة العراقية مستمراً». وأوضح بيره ان الموقف الدولي والإقليمي ودول الجوار ليس ضد الاستقلال وإنما يدعو لتأجيله في الوقت الحالي وان الأولوية هي الحرب ضد الإرهاب الذي ما زالت الحرب معه مستمرة «، لافتاً إلى أن «إجراء الاستفتاء في الوقت الحالي قد يؤدي الى خلق مشاكل بين القوى الأمنية المختلفة في المنطقة وتكون نتائجه سلبية وتضعف الجبهة المعادية للإرهاب». وأضاف بيره أن المباحثات بين اللجنة العليا للاستفتاء وحكومة بغداد مستمرة»، مشيراً إلى ان «هناك من يحاول زعزعة الأمن في المناطق المتنازع عليها ويحاول الاستفادة من الوضع الحالي وإشعال نار الفتنة بين أطياف الشعب وعلى الإطراف المعنية توخي الحذر ومواجهة التحديات لحين تجاوز الأزمة الحالية».






