سميح صعب* sam.saab4@hotmail.com مشكلة أردوغان في سوريا هي أنه يعاني عجزاً منذ خمسة اعوام عن اقناع الولايات المتحدة السير في خططه لإقامة منطقة «حظر طيران» او «منطقة آمنة» او «منطقة عازلة» او مهما تعددت التسميات أو المصطلحات، توفر ملاذاً آمناً للمعارضة السورية تنطلق منه نحو «تحرير» بقية البلاد من الجيش السوري وتالياً إسقاط النظام. وليس صحيحاً ان وراء المطالبة التركية قصداً مختلفاً يتمثل في استيعاب اللاجئين السوريين الفارين من القتال، بل ان الهدف هو حماية مقاتلي المعارضة المسلحة بغطاء جوي تركي وأميركي او أطلسي عموماً. هذه المرامي التركية لم تكن خافية على واشنطن التي منذ موافقتها على بيان جنيف1 الصادر في 30 حزيران 2012، قد أقرت بأن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً وانه ما من سبيل الى فرض حل عسكري سواء من النظام او من المعارضة. وهذه نقطة الالتقاء الوحيدة ربما بين واشنطن وموسكو. وعليها بنيت التفاهمات الاميركية – الروسية التي برزت في ما بعد وصولاً الى مؤتمري جنيف2 في 2014 و2015 ومؤتمر جنيف3 في 2016 مروراً باجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا في فيينا مرتين وفي نيويورك وحتى صدور القرارين 2253 و2254 عن مجلس الامن والبحث اليوم ينصب على وقف الاعمال العدائية او ما يطلق عليه وقف النار المؤقت. أما في الجانب التركي فلا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان عند موقفه المطالب بضرورة انشاء «منطقة آمنة» داخل سوريا. وقد تعززت هذه المطالبة بعد تفجير أنقرة الاخير. لكن المطالبة التركية الآن ليس هدفها حماية المعارضة السورية المسلحة، بل تفرع عنها هدف تركي محض يتمثل في منع اقامة جيب كردي مترابط من اقصى الشمال الشرقي السوري الى منطقة عفرين غرب الفرات. وهنا ايضاً يصطدم اردوغان بحليفه الاميركي الذي يعتبر من ابرز داعمي «وحدات حماية الشعب» الكردية. وواشنطن لا تدعم كرد سوريا حباً بإنشاء كيان كردي مستقل او شبه مستقل في سوريا وإنما لأن كرد سوريا هم في الوقت الحاضر القوة البرية الوحيدة التي تنسق معها اميركا في قتال تنظيم «داعش» الارهابي على الاراضي السورية. وصحيح ان تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» الذي يتقدم بسرعة على الارض هذه الايام يضم مقاتلين عرباً لكن العمود الفقري لهذا التحالف الذي تبدو واشنطن انها في أمس الحاجة اليه الآن، تبقى «وحدات حماية الشعب» الكردية. وخلاصة القول ان ما يريده أردوغان من اميركا بالنسبة الى اعلان «وحدات حماية الشعب» الكردية كياناً ارهابياً، أمراً غير مقبول من واشنطن مهما بلغت صداقتها وعلاقتها التحالفية مع أنقرة. وأقصى ما يمكن ان يساير به المسؤولون الاميركيون القيادة التركية، هي في اعلان دعمهم لأردوغان في حربه ضد «حزب العمال الكردستاني» التركي المصنف أصلاً على اللائحة الاميركية للتنظيمات الارهابية. وليس في يد اردوغان دليل مقنع يقدمه للأميركيين عن تورط كرد سوريا في التفجيرات داخل تركيا رغم ان السلطات التركية نسبت تفجير أنقرة الى ما قالت انه عضو في «وحدات حماية الشعب» الكردية. ولا تبدو واشنطن في الوقت الذي تعمل فيه للتوافق مع روسيا على وقف الاعمال العدائية في سوريا وإرساء الظروف المناسبة للانطلاق في عملية الحل السياسي، انها في وارد دعم عملية برية تقوم بها تركيا او السعودية او أي ائتلاف آخر من شأنها ان تنسف كل الجهود الاميركية والروسية التي تبذل من اجل وقف النزيف في سوريا وتكريس المقدرات لمحاربة خطر «داعش» الذي يستفحل يوماً بعد يوم ليشكل تحدياً للعالم كله. هنا يتسع الخلاف الاميركي – التركي ليلامس الافتراق في الاهداف. ومهما علت نبرة اردوغان العاتبة على مواقف الولايات المتحدة، فإن اميركا لا ترى ان مصلحتها السير بالمغامرة التركية في سوريا واعطاء الضوء الاخضر لتدخل بري تركي او سعودي تحت شعار مقاتلة «داعش» بينما المراد منه محاربة كرد سوريا واسقاط النظام السوري. وهذان هدفان ان تحققا فإن «داعش» سيكون أكبر الرابحين. وأكثر من ذلك من قال ان اميركا لا تدرك تمام الادراك ان أردوغان لم يفعل ما هو مطلوب منه بموجب القرار 2253 لتجفيف المصادر البشرية والمالية التي يتغذى منها «داعش»؟. وأبسط الامور ان تتساءل واشنطن وأطراف اخرى: لماذا لم يقفل اردوغان الحدود مع التنظيم الارهابي؟.
*كاتب وصحفي لبناني