عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

ماكرون.. التغيير ونبذ الكراهية

المقالات 12 مايو 2017 0 160
ماكرون.. التغيير ونبذ الكراهية
+ = -

 

 

7 views مشاهدةآخر تحديث : الجمعة 12 مايو 2017 – 3:59 مساءً
 
أثارت فرنسا اهتمام العالم بسبب الترقب والقلق السياسى فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التى اكتسح فيها إيمانويل ماكرون بنسبة 66.1%ضد مارين لوبان التى حققت فقط 33.9%، وهو مؤشر يضعها فى خندق ضيق قبيل الانتخابات التشريعية، وبالذات أن ماكرون حقق نجاحا مدويا فى المدن الكبيرة، فى حين أن لوبان اختطفت أصواتا ليست بسيطة فى أرياف فرنسا. ولقد استقبل العالم الحر نتيجة الاقتراع بنوع من الارتياح، حيث إن هزيمة لوبان أثبتت أن الموجة الشعبوية التى تسببت فى خروج بريطانيا العظمى من الاتحاد الأوروبى ودخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تنحسر.. وبذلك فإن فرنسا قد أخلصت للقيم الراسخة، كما أن انتصار ماكرون الاقتصادى الليبرالى الفز مناصر الوحدة الأوروبية يحير الراديكاليين وهذه رسالة قوية للأحزاب الشعبوية الأوروبية.. ولم تخل الحملة الفرنسية من المقارنات مع حملة الرئاسة الأمريكية، حيث شدد الإعلام على أن «ماكرون» كان مرشحا أفضل من «هيلارى كلينتون».. ولا شك أن مرشحة اليمين المتطرف قد ارتكبت أخطاء كثيرة سبقها فيها والدها جان مارى لوبان خلال مواجهته الانتخابية مع «شيراك»، كما أفقدتها المناظرة التليفزيونية الأخيرة أصواتا عديدة ولم تنجح استراتيجيتها الأولى فى مقاومة انهيار استفتاءات الرأى العام، ولا شك أن المشهد السياسى الفرنسى عانى نوعا من الانفساخ أو الانفلاق السياسى سوف يدفع الرئيس المنتخب إلى الإقدام على مصالحة كبرى بعد أن فلتت فرنسا من أزمة قلبية!

لقد أدرك الشعب أن الجمهورية الاجتماعية القديمة لم تستمر إلا من خلال الوقوف إلى جانب القواعد الدولية وبالذات الأوروبية.. ولذلك شكلت تلك الانتخابات بالفعل اختبار مقاومة أوروبا بأجمعها ضد اليمين المتطرف والغليظ وغير الإنسانى والرافض للآخرين إلى حد الفاشية، من أجل الحفاظ على قيم الحضارة الغربية فى مواجهة الغوغائية.

ولقد بدأ ماكرون نشاط رئاسته الخماسية يوم الاثنين الماضى بالمشاركة فى احتفالات ذكرى انتصار الحلفاء ضد ألمانيا النازية، ثم فى يوم ذكرى إلغاء العبودية ليجسد رسالة فرنسا التنويرية ورفضها لأى تطرف، وسوف يتسلم بعد ذلك السلطة من فرنسوا هولاند ليشارك يوم 25 مايو فى قمة حلف شمال الأطلنطى ببروكسيل، ويليها قمة مجموعة السبعة بـ «تاورمينا» بإيطاليا يومى 26 و27 مايو، ثم يتوجه إلى هامبورج يومى 7 و8 يوليو، وهى جميعها لقاءات جوهرية لماكرون أوروبى الهوية الذى ركز طيلة حملته على تدعيم الرباط الفرنسى ـ الألمانى. لقد كسبت فرنسا الرهان على ماكرون، وعندما سينصب رئيسا للجمهورية يوم 14 مايو، فذلك يعود إلى أن حملته البارعة عكست روحا ثورية عندما أعلن «معا الجمهورية»، وبرع فى مناهضة «مارين» ليخرج من تهديد بطاقات الامتناع عن التصويت وأطلق جميع قدراته الفولاذية ليحصل على فوز ساحق ليمهد طموحات 577 مرشحا ينتمون لحزبه «إلى الأمام» خلال الانتخابات التشريعية.. وإذا كانت فرنسا قد راهنت على ماكرون، فذلك يعود إلى إيمانه بالثورة الحضارية والعولمة، وبأن النظام السياسى الفرنسى لم يتطور منذ ثلاثين عاما، وأنه كان فى حالة انفجار. والثورة التى يقودها الآن ماكرون الذى لا يخفى أنه ينتمى إلى البرجوازية الصغيرة المتعلمة تهدف إلى إعادة بناء النظام الديمقراطى الفرنسى ليواجه بقوة العالم المنفتح والإقدام على معالجة البطالة وتعزيز التأهيل المهنى وتحقيق العدالة الاجتماعية.

نعم.. لقد نجح ماكرون الذى يعتبر فى نظرى ظاهرة سياسية صحية، لقد أدرك مبكرا أن فرنسا قد أعطت ظهرها لحزبين حكموها ثلاثين عاما، وأن عليها أن تختار بين الانكماش ورد الفعل والكراهية من ناحية والانفتاح المطلوب والحتمى من ناحية أخرى. لقد راهن أيضا الفرنسيون على ثقافة ماكرون المتميزة وتتلمذه على يد فلاسفة وأدباء نادرين وعلى خبرته الاقتصادية وشبابه المتدفق وتواضعه الجم وتخرجه من مدرسة الإدارة العليا بفرنسا مثله مثل الرئيس الأسبق شيراك أفضل رؤساء الجمهورية الخامسة إلى جانب ولعه بالتاريخ واستخلاصه الدروس من الرؤساء السابقين، ويقول ماكرون نفسه: يجب الاستعانة برجال النظام القديم وبتجربتهم، وهم الأكثر اقتدارا على مصالحة الفرنسيين، وإنما قال أيضا: من أجل أن نغير النظام فلابد من تجديد الكوادر. إن صفحة جديدة من تاريخ فرنسا قد فتحت بالفعل بانتخاب نجم سياسى لفرنسا يختلف كثيرا عن هولاند وساركوزى.. ونتمنى له ولهذا البلد العظيم التوفيق

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار