فقد وجه الروس اساءة للرئيس ترامب بقلة مبالاة حين وصفوه بأنه “عاجز” ومنصاع لا يملك سوى الانحناء امام رغبات الكونغرس الاميركي، حتى لو ابدى قليلاً من الاحتجاج. ولم يكتف الروس بذلك بل راحوا يستخدمون اشد العبارات قوة في حديثهم عن العقوبات التي تفرض على الكرملين، حيث وصفها رئيس الوزراء الروسي “ديمتري مديفيديف” بأنها “حرب اقتصادية شاملة” ثم اضاف ان هذه الخطوة “قضت على اي امل في تحسن العلاقات مع الادارة الاميركية الجديدة، لأن نظام العقوبات قد شرع له قانون وهذا القانون سوف يبقى نافذاً لعقود ما لم تحدث معجزة” على حد تعبيره. من الواضح ان الروس مستاؤون من طريقة اداء الرئيس ترامب وان تقييمه لدى موسكو يتدنى بالسرعة نفسها التي يتدنى بها في الولايات المتحدة، فتغريداته الملتهبة بشأن الصفقات العظيمة التي يستطيع عقدها ليست ما كان الروس ينتظرونه من رجل أملوا ان يكون صديقاً وحليفاً ستراتيجيا لهم. لقد تكشف للرئيس بوتين ان السيد ترامب ليس بأكثر نفعاً له من الرئيس اوباما او “جورج بوش” من قبله. بل لعل الروس باتوا يتساءلون الان: اما كان حالهم سيكون افضل مع “هيلاري كلنتون”؟ فمع كلنتون كانوا سيتمكنون على الاقل من التكهن والتوقع، وحتى لو حدثت مفاجآت فإنها كانت ستأتي في الجانب الموجب غالباً. اذا صح ما قيل عن مساعدة الروس لـ”دونالد ترامب” في الوصول الى البيت الابيض، وان قراصنتهم قد تسللوا بالفعل الى كيانات في الولايات المتحدة (كما يؤكد جازماً مكتب التحقيقات الفدرالي)، وان السيد ترامب كان ابعد ما يكون عن الصراحة والوضوح بشأن عمق التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية في السنة الماضية، فإن الاخطار التي تتهدد رئاسة ترامب اذن سوف تتعاظم فجأة بمجرد ان يخلص الرجال الجالسون في الكرملين الى نتيجة حاسمة مؤداها ان ترامب هو اسوأ السوء فيما يتعلق بتوسيع المصالح الروسية. وقد ادلى السيد مديفيديف فعلاً بملاحظات المح فيها أن السيد ترامب يدنو شيئاً فشيئاً من التعرض للاتهام او لانقلاب كابينته الوزارية عليه بموجب “الفقرة 25”. ومن المحتمل تماماً، إن لم نقل من المرجح، ان تساهم السلطات الروسية بوضع لمساتها الخاصة على صورة “دونالد ترامب” لتشويهها من اجل التعجيل باخراجه من البيت الابيض بأسرع مما يتوقع احد. لذا فان الولايات المتحدة قد تكون الان في موقف عجيب شديد الغرابة، حيث خطط الكرملين ودبر حتى اوصل مرشحه المفضل الى البيت الابيض ثم اذا به الان يعمل على إزاحته عن ذلك المنصب. حتى تلك الفكرة التي التقطها ترامب من المعلقين في السنة الماضية، والقائلة بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون اقل احتمالاً بكثير في عهد رئاسة ترامب منها في رئاسة “هيلاري كلنتون”، لم تعد تبدو جذابة او لامعة. فبعد كل اللامبالاة وقلة الاكتراث اللذين ابداهما ترامب في التعامل مع الروس، بما في ذلك دائرة مساعديه وافراد عائلته، وبسبب نأيه بنفسه عن الحزب الجمهوري بهذا النحو الفج، لم يعد في يده الكثير مما يستطيع تقديمه لانقاذ نفسه او مساعدة الروس او فعل أي شيء في الواقع. لقد بات الرئيس ترامب يبدو وهو بين ايدي اعضاء الكونغرس اشبه ما يكون بشخصية “ليمويل غوليفر” المتبجح عندما وقع بيد الاقزام الذين قيدوا حركته بالشباك قبل ان تنهال عليه اسراب لاسعة من البعوض والحشرات مثلما تنهال وسائل الاعلام اليوم على السيد ترامب. ومن المحتمل ان ترامب هو الاخر لن يستطيع المناورة وتخليص نفسه من مصاعبه بسبب الاضرار التي اصابته على يد الروس. السبب الذي جعل ترامب في هذه الحالة من الضعف والتخبط مرتبط كلياً بشخصيته المفتقرة الى النضج وضعف قدرته على التمييز والحكم على الاشياء. لقد شخص الروس فيه هذه الصفات منذ وقت بعيد، واليوم ربما كانت جسامة ما فعلوه قد اخذت تتجلى شيئاً فشيئاً لنظر الجمهوريين والشعب الاميركي. المفارقة الساخرة هي ان هؤلاء وكذلك الروس قد يكون من مصلحتهما المشتركة وضع نهاية لرئاسة ترامب الجنونية قبل ان تتسبب بأضرار افدح.
* افتتاحية صحيفة الاندبندنت