عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

الإصلاح وخصائص المزاج العراقي بقلم: محمد الكاظم

المقالات 20 أغسطس 2015 0 179
الإصلاح وخصائص المزاج العراقي بقلم: محمد الكاظم
+ = -
الإصلاح وخصائص المزاج العراقي

بقلم: محمد الكاظم
 اعتقد ان هناك قوانين معينة تحكم أي تغيير في العراق منذ تأسيسه وحتى الآن ، بعض هذه القوانين مرتبطة بطبيعة الشخصية العراقية، بشقيها الفردي والمجتمعي.
وهذه القوانين تحتاج ممن يتسلم زمام الأمور ان ينتبه لها في بلد يغلب على سكانه صعوبة المراس، كما يغلب على اداراته التسبب في اتساع دائرة الاحباط وسوء الخدمات، مع ارباكات جاءت نتيجة للتركيبة الديموغرافية وغياب مفهوم الدولة وفشل محاولات الصهر الاجتماعي التي ركزت غالبا على الظواهر ولم تبحث في جذور المشكلات.
أول تلك القوانين هي ان المواطن العراقي مواطن محافظ وصبور، فهو يتحمل كثيرا ويتغاضى عن اخطاء السلطة حتى الاخطاء الكارثية منها، لكن حين ينتهي صبره يتحول الى قوة جارفة يصعب ارضاؤها.
فعلى الرغم من السمة الانفعالية الصاخبة للعراقيين الا انهم يبقون شعبا محافظا على صعيد الفرد والجماعة، لكن هذه المحافظة تحوي في داخلها دائما بذور التمرد التي تتنامى لتصل الى لحظة الانفجار التي تخلق كيمياءها الخاصة فيما بعد لتكشف عن وجه آخر للعراقي.
وهناك خطأ جسيم تصر السلطات التي تعاقبت على حكم العراق على الوقوع فيه ، فكل السلطات كانت تفسر سكوت العراقيين على انه نوع من الرضا او القبول الضمني بحماقات السلطة، لذلك تغض السلطات الطرف عما يجري تحت الوجه المسالم المتعب للعراقي البسيط الذي يريد ان يعيش بهدوء وسلام، بل ان بعض تلك السلطات اعتقدت ان الصمت العراقي نوع من التأييد لها لذلك تلبستها الاوهام وأقحمت البلاد في شطحات كارثية النتائج . حتى وصل الامر ذات مرة بشخص مثل صدام الى يطرح منهجا فيه الكثير من الاستهتار بالعراقيين حينما روجت ماكنته الدعائية لمقولة “اذا قال صدام قال العراق” لكن النتيجة ان صدام ألقي القبض عليه في حفرة، ولم تحرك لقطات اخراجه من حفرته سوى حس التشفي لدى العراقيين الذين لم يهتموا كثيرا لخاتمته.
اشعر احيانا ان رموز الملكية وأنصارها كانوا يشعرون بالدهشة وتلبستهم المفاجأة حينما سحل العراقيون جثث العائلة المالكة، هذه المفاجأة تلبست الزعيم قاسم ورفاقه، وهي ذات المفاجأة التي شعر بها صدام حينما لم يجد احدا يدافع عنه . فقد كان كل هؤلاء مهووسون بفكرة ان الشعب يريدهم ويحبهم ولن يفرط بهم .ووقعوا في فخ تفسير خاطئ لصمت الشعب. مع العراقيين السكوت ليس دائما علامة على الرضا
ثانيا : العراقي بطبيعته كائن انفعالي عاطفي يشعر ان السلطات الكثيرة المتعاقبة خدعته وورطته في الكثير من المصائب، لذلك يريد من أية سلطة ان تستمع له، وتطيب خاطره، وتشعره بأبوتها لها، لا ان تتعامل معه وهي متمترسة وراء عسكرها و شكوكها وقلقها واتهاماتها المعدة سلفا. والعراقي في الوقت ذاته يقدر ذاته كثيرا.
وبالتالي يثق بآرائه ويتحمس لها، لذلك يحتاج لمن يشعر به ، ويستمع الى آلامه، ويحاوره ولا يعبث به وبعقله، كما ان العراقي الذي تتمكن منه ذهنية المغالبة يكره ان يخدعه احد او يستغله احد في الوصول الى غاياته. فالعراقي يشعر بدرجة ما انه تعرض للخديعة حينما تلقى وعودا كثيرا بتحسين ظروفه ولم يحدث هذا التحول في حياته، ويشعر انه تعرض للسرقة على يد بعض الفاسدين هنا وهناك، وهذا ما اشاع اجواء الاحباط والانكسار في الذات العراقية ما دفعها لحمل أيقونتها الاثيرة، التمرد.
الاحباط اهم اسباب نقمة العراقيين على النخب السياسية التي تعالت على جمهورها وأحاطت نفسها بالأسوار وأخذت تمارس دور الارستقراطية السياسية في مجتمع متعب يحتاج لمن يضمد جراحه ويكسب وده ويكون له قدوة حسنة.
ثالثا : العراقي كائن انتقادي متمرد يجد ان انتقاداته للآخرين هي نوع من المجال الحيوي الذي يرسمه لذاته وسط المجتمع والكون، فكلكامش الذي تمرد على نواميس الكون وأخذ يبحث عن الخلود ليست حالة خاصة، فتراث التمرد جزء من حيوية العراقيين التي قادت الى فكر التشيع والتصوف وفكر المعتزلة وأخوان الصفا وغيرها، وأسهمت في انتاج مدارس في الفقه والفلسفة والأدب والعلوم، وأنتجت لاحقا اضافات مختلفة في فكر الاشتراكية والقومية والإسلام السياسي والديمقراطية .
المشكلة ان تركيبة السلطة في العراق تعمل بمجسات معطلة في الغالب، فهذه المجسات تنقل للمسؤول ما يريد ان يسمعه، وتتبرع بشيطنة الاصوات المضادة ليقع الحاكم فريسة لنظرية مؤامرة راسخة في جدران السلطة. فتعمد الى قطع الجسور مع كل الاصوات الناقدة التي تغذي فورة عدم الرضا الذي يتحول الى غليان وسخط جارف.
رابعا: العراقي قد يحتمل الجوع وسوء الاوضاع الامنية او الاقتصادية اذا شعر بأن هناك مساواة في المعاناة لكنه يصبح ناقما وساخطا اذا شعر بعدم الانصاف. فالعراقي اكثر الناس عقدا للمقارنات ، فهو لا يستطيع ان يعيش دون ان يصنع ثنائيات يثبت وجوده من خلالها ، وفي كثير من الاحيان يبدو ان العراقي لا يشعر بوجوده الا من خلال الآخر. العراقي مغرم برسم خطوط التماس وصناعة الآخر، لذلك تطفو على السطح بين فترة وأخرى ثنائية جديدة مثل العرب والكرد ، السنة والشيعة ، الاسلاميون والعلمانيون، نظام سابق ونظام حالي ، داخل وخارج ، وطني وعميل، رجعي وتقدمي، مأجور و بوق للسلطة. اضافة الى آلاف الثنائيات الاصغر.
العراقي كائن فيه الكثير من المثالية التي جعلته يسعى للمساواة التي طالما كانت هاجسه، لذلك كثيرا ماهزت دعوات تحقيق العدالة الاجتماعية مشاعره.
وهذه المساواة هي نتاج لشعور العراقي بثنائية “انا والآخر” التي يندرج تحتها المسؤولون، وموظفو الحكومة، السياسيون ورجال الدين وشيوخ العشائر، وكل شريحة اخرى لها تماس مع اجواء السلطة ولو كانت رمزية.
لذلك فالعراقيون يستطيعون ان يتحملوا الحروب والفقر لكنهم لا يستطيعون تحمل عدم الانصاف وعدم المساواة ، والفساد طبعا واحد من اكبر ابواب عدم الانصاف وعدم المساواة، العراقيون اليوم يتحدثون اليوم عن فساد بعض مفاصل الدولة اكثر من حديثهم عن الاخطار الاخرى المحدقة ومنها تنظيم داعش
الارهابي .
وهذا له دلالة مهمة يجب ان يقرأها صناع القرار بجدية. لماذا يثير الفساد غضب العراقيين اكثر من داعش.؟ سؤال بحاجة الى كشف الستار عن غاطس المجتمع وطبيعة الافكار التي تتحكم به.
الانسان العراقي ينظر باعتداد كبير الى نفسه ومتبنياته وغالبا ما تأتي كرامته قبل مصالحه ، لذلك ترتكب أية سلطة خطأ كبيرا حينما تتجاهل مطالب المواطن ، فالتجاهل يعني جرحا لكرامة العراقي ، ويفسره العراقيون على انه نوع من الاستعلاء الذي لا يطيقونه.
خامسا: العراقي الذي مازالت تتحكم به تناشزات البداوة والمدنية حسب تعبير علي الوردي، و تؤثر به قيم مؤسسات ما قبل الدولة تجعله قابلا لتأثيرات قيم المغالبة، ومغرما بلحظات الفتوة و”لقاحية” الصحراء على حد تعبير هادي العلوي. التناشز والمغالبة واللقاحية تجعل العراقي قابلا للتعامل مع دور الزعيم الاوحد ، والقائد الملهم ، والبطل المحلي اكثر من النموذج البيروقراطي الذي تطرحه الدولة . فمن الممكن للعراقي ان يفهم دوافع الزعيم المحلي والثائر وزعيم الميليشيا ويهضم منطق الغزوات والفرهود وقطع الطريق لكنه يكره السارق الأنيق المتمثل في شكل مسؤول فاسد او مقاول او موظف مرتش. يستطيع العراقي ان يتعامل مع اعراف القبيلة وقيمها اكثر من تعامله مع لزوجة الضوابط والتعليمات. وشعار التظاهرة الذي ينسجم مع تركيبته يؤثر فيه اكثر من مواد
الدستور.
سادسا:هناك قانون آخر يبدو مثيرا وخارقا للكثير من نواميس الطبيعة ، فالعراقي المحارب الازلي الذي مرت عليه آلاف الحروب الصغيرة والكبيرة يعد الحروب جزءا من تكوينه النفسي والاجتماعي والثقافي رغم رعب الحروب وقسوتها. ولسوء حظ العراقي يبدو ان هناك قدرا ما، يجعل اي جيل عراقي يعيش حربين كبيرتين في الاقل في حياته وعشرات الحروب الثانوية. لكن العراقي رغم ذلك لا يحب ان يسوء حاله ويقل معاشه.
العراقي قد يكون طفرة في ترتيب هرم ماسلو للحاجات الذي يمكن ان ينطبق على العراقي الفرد، لكنه لا ينطبق على العراقي كمجموع . فالعقل الجمعي العراقي يستسيغ بدرجة ما اجواء الحرب ويجد مبررات لها لكنه لا يستسيغ اجواء الجوع وسوء الاوضاع المعيشية ومناخ الضنك والفاقة والكدية التي تحط من كرامته وصورته الاجتماعية، بمعنى ان الحاجات الاجتماعية قد تسبق احيانا حاجات الأمن .
وطالما بحث العراقي في اجواء الموت والحروب عن معاش وعن تقدير اجتماعي وتحقيق للذات. فأجواء العقوبات الاقتصادية في التسعينيات كانت هي القشة التي قضت على البقية الباقية من تعاطف العراقيين مع النظام المباد وحولت رفض النظام الى حالة عامة شملت جميع العراقيين بعد ان كان الرفض حكرا على فئات محددة.
ومن الواضح جدا ان التظاهرات الاخيرة لها علاقة ايضا بأجواء التقشف الذي تعيشه البلاد حيث أضرت بمعاش الكثيرين.
شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار