ليس هناك ما هو أكثر شرعية من المطالبة بالإصلاح، لأن الإصلاح لا يعني الهدم بقدر ما يعني تقوية أسس البناء ليغدو أكثر قدرة على الاستمرار والبقاء. هذا الكلام موجه لمن يشكك في دوافع التظاهرات أو يتبرم من مطالبها الأساسية، لأن هذه التظاهرات بصورتها السلمية والحضارية هي ابلغ اختبار لقدرة الدستور على التعاطي مع حقوق المواطنين بنفس تعاطيه مع حقوق الأحزاب والشخصيات السياسية، لا سيما وأن الدستور ضمن حق التظاهر بوصفه أحد السبل التي يمكن بواسطتها سماع مطالب المواطنين وآرائهم في ما يخص أحوالهم و ظروف حياتهم. فقد تمثلت أهم المطالب التي رفعتها التظاهرات، في المطالبة بتحسين واقع الخدمات لا سيما توفير الطاقة الكهربائية بعد أن فشلت عشرات المليارات في تحسينها، فضلا عن مكافحة الفساد الذي لم يعد يضر المواطن البسيط وحسب بل بات يهدد وجود الدولة ذاتها ، ومن ثم فإن من نتائج الاستجابة لهذه المطالب ليس خدمة المواطن وحسب بل وأيضا إبعاد الخطر الذي يهدد استقرار البلد ووجوده. لذا ارى ان من الضروري أن تضمن الاستجابة تحقيق المطالب الأساسية للمتظاهرين حتى لا تهدر فرصة الإصلاح وتنتهي إلى لا شيء ، مثلما يتأمل المغرضون والمتصيدون في الماء العكر من داخل العملية السياسية أو خارجها. إن أمام العملية السياسية فرصة ذهبية للتخلص من الإشكالات التي عرقلت مسيرتها في المدة الماضية وحرفت مسارها بعيدا عن بناء بلد قوي ومزدهر، فدعاوى الإصلاح التي تنادي بها التظاهرات يمكن أن تكون السبيل الأمثل للوصول إلى حلول حقيقية مسندة بالدعم الشعبي، ما يعني عدم إمكانية رفضها والاعتراض عليها من أية جهة من الجهات. أما تجاهل هذه المطالب أو تسويفها فانه لا يتسبب بهدر هذه الفرصة وحسب بل ربما يدفع إلى تصاعد المطالب حتى تتجاوز ما لا تحتمله العملية السياسية ذاتها. وفي حالة أدركت الجهات المسؤولة أن مسؤوليتها التاريخية تحتم عليها الوقوف إلى جانب المتظاهرين قولا وفعلا فإن من الضروري أن تتخذ الخطوات التي تعجل بذلك، فالمهم ليس أن يتم القبول بهذه المطالب وحسب بل وأن يتم تنفيذها بأسرع ما يمكن حتى يشعر المتظاهرون بأن هناك من يسمعهم و يحترم مطالبهم. ومن ثم فإن أي إصلاح تقوم به المؤسسة السياسية إنطلاقا من المطالب الأساسية للمتظاهرين سيعزز شعور المواطن بالأمان وبأن حقوقه مصانة ومضمونة، الأمر الذي يتيح له المشاركة بفاعلية في بناء البلد وحماية المكتسبات التي ضمنتها له القيم الديمقراطية، فالكل ينتظر ويتمنى ان تكون المرحلة القادمة مرحلة نجاح وبناء يخرج البلد فيها من أزماته ومعاناته ليبلغ شاطئ الخير والأمان الذي يأمله كل مواطن عراقي، فهل إلى ذلك من سبيل؟ هذا ما يأمله ويتمناه الجميع.