تحدثتُ هنا قبل مدة عن قضية محاكاتنا لبعض سلوكيات الغرب، والأخذ بتوجّهاته أو توجيهاته، وخطورة ذلك في بعض مجالات حياتنا، كالتغطية الإعلامية المنفلتة للأحداث، وحرية المعلومات السائبة، والتحدث علناً عن نشاطات قواتنا المسلحة والأمنية وبالتفصيل، وغيرها من حالات المحاكاة التي تخدم المصالح الغربية، في المقام الأول، وتسبب لنا أفدح الأضرار.
وقد قرأت قبل أيام خبراً في إحدى الصحف المحلية عن «ناشط يضرب عن الطعام منذ 14 يوماً احتجاجاً على تسويف مطالب المتظاهرين». وكنت على وشك الانصراف عن الخبر إلى غيره انطلاقاً من ظني أنه يتعلق بناشط في الغرب أو في البرازيل. لكن الفضول دفعني إلى قراءته فاتضح أنه يتحدث عن «ناشط كربلائي أكد مواصلة إضرابه عن الطعام قبل 14 يوماً لعدم جدية المسؤولين المحليين والاتحاديين بتنفيذ مطالب المتظاهرين..»، مطالباً الأمم المتحدة وأميركا بتحمل مسؤوليتهما..، كما جاء في الصحيفة المحلية إيّاها.
وقد تركز اهتمامي في نقطتين من الخبر:
*الاضراب عن الطعام
*وتحميل المسؤولية،
وهما أمران أصبح الحديث عنهما يتردد لدينا بين حين وآخر منذ أن جاءتنا الدبابات الأميركية، غير مشكورةٍ، بديمقراطيتها واحترامها الشديد لحقوق الإنسان! وكنا في السابق أصدق مع أنفسنا والوضع الذي كنا فيه، على سوئه، حيث قد يضرب عن الطعام ولدٌ حتى يشتري له أبوه حذاءً مثل الذي يلبسه ابن الجيران، أو فتاة يريدون تزويجها رغماً عنها من واحد «شايب» أو ابن عمٍ «مخربَط»، أو، في أخطر الأحوال، سجناء يساريون «كثيرو المطالب»، يريدون من الحكومة أن توفّر لهم الصحف، وربما شيئاً من الرعاية الصحية، أيضاً!.
لكن أنْ يُضرب لدينا ناشط عن الطعام «احتجاجاً على تسويف مطالب المتظاهرين»، فذلك يدخل في باب المحاكاة التي تحدثتُ عنها
آنفاً:
* أولاً، إذا كان هذا المُضرب أو غيره يتصور أنه بإضرابه سيحرك شعرةً واحدة في شارب أي مسؤول، أو يجعل هذا الشارب يهتز بأكمله قلقاً على حياة المُضرب أو خوفاً على سمعة الحكومة في الخارج، فهو واهم، أو «حلمان»، أو نعسان، في أحسن الأحوال! قد يحدث ذلك في الدنمارك، أو ربما في ماليزيا، لكن ليس في العراق العظيم الذي يموت فيه الناس عادةً في القادسيات، والتفجيرات، أو من الغمّ، وليس جوعاً أو إضراباً عن الطعام احتجاجاً!.
* ثانياً، لم يذكر السيد الناشط المُضرب، مع احترامي لمعاناته، المكان الذي يُضرب فيه، وهو أمر لا بد من ذكره. إذ كيف سيتوافد إليه المتضامنون المحليون، مثلاً، والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام المرئي وغير المرئي، وربما مندوب عن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بل وعن الإدارة الأميركية التي سيزعجها بالتأكيد أن لا تُلبّى مطالب مُضرب عن الطعام في بلدٍ دمّرته!.
* ثالثاً، هل سبق للسيد المُضرب أن سمع عن مُضربٍ، أو نصف مُضرب، أو حتى ربع مُضرب، في تاريخ
العراق، أضرب عن الطعام وحققوا له مطلباً، عدا الأمثلة المذكورة أعلاه، كي يُدخل نفسه في هذا النفق الذي ليس في آخره ضوء، متصوراً أنه سيقلب الدنيا عاليها سافلها بإضرابه هذا، ويجعل السيد رئيس الوزراء «يتطرف» أكثر في إصلاحاته التي أكد مراراً أنه لن يتوقف عنها مهما كان الثمن!.
أما النقطة الثانية في الخبر، تحميل المسؤولية، فإنها الأخرى تدخل في باب التقليد ومحاكاة ما يقال عن المسؤوليات هناك، في البلدان التي يستقيل فيها المسؤول الكبير إذا قصّر، مجرد تقصير، في صيانة الأمن العام، وقد ينتحر، وهناك مَن انتحروا فعلاً، إذا تورط في قضية فساد، و»فضائيين»، أو دارت حوله شكوك فيما يتعلق بذلك! أما هنا فإن لدينا من يتصور أنه إذا ما أضرب عن الطعام ودعا أميركا والغرب والأمم المتحدة لتحمّل مسؤوليتها «كونها السبب بما وصل إليه العراق من دمار وفساد وحروب»، فإن هذه الأطراف ستخجل من نفسها وستهرع لإصلاح ما أفسدته، إضافةً لإصلاحات السيد العبادي التي «لن تتوقف مهما كان الثمن»!.
ومن هنا فإن محاكاتنا لما يقوله ويفعله الناس فيما وراء البحار لا معنى لها هنا، لأن ظروف نجاح مثل هذه الأمور غير متوفرة لدينا وليست من طبيعتنا ولا من تاريخنا المجيد، وعلينا بالتالي أن نجد المقولات والمواقف التي تتفق وطريقة تفكيرنا وعاداتنا .. كإضراب البنت عن الطعام، مثلاً، إذا أرادوا تزويجها بالقوة من ابن عمها الآنف الذكر، أو تحميل مسؤولية إفلاس الخزينة العامة على السيد صبري أفندي.. صندوق أمين
البصرة!.
وقد قرأت قبل أيام خبراً في إحدى الصحف المحلية عن «ناشط يضرب عن الطعام منذ 14 يوماً احتجاجاً على تسويف مطالب المتظاهرين». وكنت على وشك الانصراف عن الخبر إلى غيره انطلاقاً من ظني أنه يتعلق بناشط في الغرب أو في البرازيل. لكن الفضول دفعني إلى قراءته فاتضح أنه يتحدث عن «ناشط كربلائي أكد مواصلة إضرابه عن الطعام قبل 14 يوماً لعدم جدية المسؤولين المحليين والاتحاديين بتنفيذ مطالب المتظاهرين..»، مطالباً الأمم المتحدة وأميركا بتحمل مسؤوليتهما..، كما جاء في الصحيفة المحلية إيّاها.
وقد تركز اهتمامي في نقطتين من الخبر:
*الاضراب عن الطعام
*وتحميل المسؤولية،
وهما أمران أصبح الحديث عنهما يتردد لدينا بين حين وآخر منذ أن جاءتنا الدبابات الأميركية، غير مشكورةٍ، بديمقراطيتها واحترامها الشديد لحقوق الإنسان! وكنا في السابق أصدق مع أنفسنا والوضع الذي كنا فيه، على سوئه، حيث قد يضرب عن الطعام ولدٌ حتى يشتري له أبوه حذاءً مثل الذي يلبسه ابن الجيران، أو فتاة يريدون تزويجها رغماً عنها من واحد «شايب» أو ابن عمٍ «مخربَط»، أو، في أخطر الأحوال، سجناء يساريون «كثيرو المطالب»، يريدون من الحكومة أن توفّر لهم الصحف، وربما شيئاً من الرعاية الصحية، أيضاً!.
لكن أنْ يُضرب لدينا ناشط عن الطعام «احتجاجاً على تسويف مطالب المتظاهرين»، فذلك يدخل في باب المحاكاة التي تحدثتُ عنها
آنفاً:
* أولاً، إذا كان هذا المُضرب أو غيره يتصور أنه بإضرابه سيحرك شعرةً واحدة في شارب أي مسؤول، أو يجعل هذا الشارب يهتز بأكمله قلقاً على حياة المُضرب أو خوفاً على سمعة الحكومة في الخارج، فهو واهم، أو «حلمان»، أو نعسان، في أحسن الأحوال! قد يحدث ذلك في الدنمارك، أو ربما في ماليزيا، لكن ليس في العراق العظيم الذي يموت فيه الناس عادةً في القادسيات، والتفجيرات، أو من الغمّ، وليس جوعاً أو إضراباً عن الطعام احتجاجاً!.
* ثانياً، لم يذكر السيد الناشط المُضرب، مع احترامي لمعاناته، المكان الذي يُضرب فيه، وهو أمر لا بد من ذكره. إذ كيف سيتوافد إليه المتضامنون المحليون، مثلاً، والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام المرئي وغير المرئي، وربما مندوب عن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بل وعن الإدارة الأميركية التي سيزعجها بالتأكيد أن لا تُلبّى مطالب مُضرب عن الطعام في بلدٍ دمّرته!.
* ثالثاً، هل سبق للسيد المُضرب أن سمع عن مُضربٍ، أو نصف مُضرب، أو حتى ربع مُضرب، في تاريخ
العراق، أضرب عن الطعام وحققوا له مطلباً، عدا الأمثلة المذكورة أعلاه، كي يُدخل نفسه في هذا النفق الذي ليس في آخره ضوء، متصوراً أنه سيقلب الدنيا عاليها سافلها بإضرابه هذا، ويجعل السيد رئيس الوزراء «يتطرف» أكثر في إصلاحاته التي أكد مراراً أنه لن يتوقف عنها مهما كان الثمن!.
أما النقطة الثانية في الخبر، تحميل المسؤولية، فإنها الأخرى تدخل في باب التقليد ومحاكاة ما يقال عن المسؤوليات هناك، في البلدان التي يستقيل فيها المسؤول الكبير إذا قصّر، مجرد تقصير، في صيانة الأمن العام، وقد ينتحر، وهناك مَن انتحروا فعلاً، إذا تورط في قضية فساد، و»فضائيين»، أو دارت حوله شكوك فيما يتعلق بذلك! أما هنا فإن لدينا من يتصور أنه إذا ما أضرب عن الطعام ودعا أميركا والغرب والأمم المتحدة لتحمّل مسؤوليتها «كونها السبب بما وصل إليه العراق من دمار وفساد وحروب»، فإن هذه الأطراف ستخجل من نفسها وستهرع لإصلاح ما أفسدته، إضافةً لإصلاحات السيد العبادي التي «لن تتوقف مهما كان الثمن»!.
ومن هنا فإن محاكاتنا لما يقوله ويفعله الناس فيما وراء البحار لا معنى لها هنا، لأن ظروف نجاح مثل هذه الأمور غير متوفرة لدينا وليست من طبيعتنا ولا من تاريخنا المجيد، وعلينا بالتالي أن نجد المقولات والمواقف التي تتفق وطريقة تفكيرنا وعاداتنا .. كإضراب البنت عن الطعام، مثلاً، إذا أرادوا تزويجها بالقوة من ابن عمها الآنف الذكر، أو تحميل مسؤولية إفلاس الخزينة العامة على السيد صبري أفندي.. صندوق أمين
البصرة!.