وهذه الفلسفة نص عليها الدستور العراقي في المادة 25 التي تنص على: (تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي على أسس حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته) التي تقوم على أساس تضييق المجال أمام النشاط الاقتصادي للدولة، تمهيدا للالتحاق بمنظومة الاقتصاد العالمي التي تفرضها المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) وتوجيهاتها.
الأكاديمي د. عماد العاني قال: إن العراق في الوقت الراهن يواجه ظروفا لا تسمح له العمل على هذا النهج إلا بعد أن تتم عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، ومن ثم يقوم بالنهج المناسب للانضمام الى المنظومة الاقتصادية الدولية، مبينا أنه نتيجة لذلك نلاحظ أن هناك تشوها كبيرا في الموازنات الحكومية للعراق، إذ بالرغم مما أقره الدستور وأعلنته الحكومة باتباع فلسفة الاقتصاد الحر واعتماد آلية السوق كمنهج اقتصادي، إلا أن ما نلاحظه في الموازنة يخالف ذلك تماما.
ولفت الى أن الموازنة تعكس مدى تدخل الحكومة في الاقتصاد وبخاصة ما تشير إليه أرقام النفقات التشغيلية وتحديدا فقرة الرواتب والأجور، وبالتالي هناك تحديات كبيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية تحكم الموازنة العامة وتجعلها بهذه الصورة التي نراها.
واضاف العاني قائلا: ما زال العراق يعاني من عدم توافر اسباب الامن والاستقرار بشكل يسمح له بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية واعادة الاعمار، ففي ظروف انعدام ستراتيجية تنموية واضحة وخلل أمني كبير، حيث يتم التركيز على الجوانب الامنية بشكل خاص والجوانب الاجتماعية ومنها ضمان دخول للمواطنين، لافتا الى أن هذا الوضع شهد معدلات مرتفعة للبطالة رافقتها آثار اقتصادية واجتماعية تحتم على الحكومة معالجتها من خلال السياسة المالية وتحديدا النفقات العامة.
واشار الى مرافقة ذلك سياسة غير كفوءة للتشغيل، إذ إن القطاع الوحيد الذي يعمل هو القطاع العام بالرغم من أنه يعاني الكثير من المعوقات، منها قطاع خاص متوقف عن العمل بشكل كلي تقريبا، إذ إنه لا يزال يعاني من مشاكل جمة يتطلب زيادة النفقات العامة على البنية التحتية والاساسية لدعم ذلك القطاع وتوفير البيئة الملائمة له، لافتا الى انه صاحب ذلك ارتفاع معدلات الفقر وضعف أداء الخدمات الحكومية وعدم القدرة على توفير البيئة الضرورية لبسط سياسة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وهذا يعد تحديا كبيرا يواجه الحكومة.
العاني قال: «تقتضي عملية إصلاح قطاع المالية العامة دراسة أوضاع النشاط المالي للدولة من إيرادات ونفقات، لا سيما الضعف الشديد في الايرادات الضريبية والناجمة عن تخلف النظام الضريبي وسوء الإدارة وكثرة الإعفاءات. تقابلها حالة الإفراط الواسع في الانفاق العام والذي يتضح من خلال تتبع النشاط المالي للحكومة العراقية.
وخلص العاني الى القول إن هذه الامور تعد السبب الجوهري في تعاظم العجز المالي يضاف الى ذلك وجود خلل في هيكل الايرادات، إذ إن النفط يعد المصدر الرئيس لهذه الايرادات والذي يرتبط بالسوق الدولية يجعل الإيرادات عرضة لعدم الاستقرار بسبب التقلبات في أسعار النفط العالمية وعن التذبذبات في القدرة الانتاجية والتصديرية لنفط العراق.