ابتداء لابد من ملاحظة ان أسوأ المواقف هي تلك التي تكون كردة فعل إزاء حدث ما لانها ببساطة لن تخضع للتخطيط السليم وتغيب عنها الرؤية السليمة وتتأطر بالانفعال دون ان تعرف نتائجها الحقيقية وكذلك تغيب عن الناظر تأثيراتها الجانبية التي لايمكن توقعها.
ولكن علينا ايضا ان نعترف ان اي حدث جسيم يمكن ان يخلق ردة فعل لدى الناس وهي غالبا ماتكون انتقامية يختلط فيها الاسود والابيض ومن هنا لابد من توقع ردة فعل الغرب عموما وفرنسا خصوصا إزاء تفجيرات الجمعة في باريس وهي ردة فعل اتسمت بشبه اجماع عالمي ضد الارهاب ،لذلك ليس مستغربا حدوث العنف ضدالمسلمين ومساجدهم في فرنسا ، وحتى دعوات اخراج المسلمين من هناك وهي متوقعة، خصوصا ان في بلدان الغرب يمينا متطرفا يحاول استغلال الاحداث للوثوب الى السلطة من خلال استغلال مشاعر الناس العدائية التي احدثتها التفجيرات، هذا على مستوى ردة الفعل الشعبية وهي ممكنة ولكن ما ليس ممكنا او مقبولا ان تتصرف الدول ومؤسساتها وسياسيوها بطريقة ردة الفعل ايضا لان هذا دليل على عدم امتلاكها لرؤية صحيحة إزاء مايجري في
العالم.
داعش وهو المسمى الجديد للقاعدة واقول ذلك فقط للتذكير ان الغرب يعرف القاعدة واتجاهاتها ولذلك عليه ان يسأل نفسه اولا وقبل اي جهة اخرى عن سبب نمو هذا التنظيم الخطير أمام انظار العالم دون ان يفكروا لحظة بايجاد العلاج له بالشكل الصحيح، وفرنسا التي هي حليفة للاميركان تدرك ذلك، بل انهم (اي الغرب) كانوا يدعمون جهات في سوريا تشكل احد خطوط الارهاب في المنطقة ولاننسى الدعم لجبهة النصرة بحجة دعم المعارضة السورية.
اليوم وبعد تفجيرات باريس الكل يشحذ ادواته لمحاربة داعش وكأن داعش خرج توا من القمقم وأنهم عاجزون عن مجاراته وتصفيته وهو مالايصدقه العقل، بل ان فرنسا واميركا والغرب عموما يملك صداقات واسعة مع دول يدركون تماما انها تسلك كل الطرق لدعم داعش واخواتها في المنطقة رغبة من هذه الدول (الخليجية تحديدا) بتصفية حساباتها السياسية، فيما الغرب اراد من داعش اداة يتم من خلالها رسم خارطة جديدة للشرق الاوسط بادوات واموال دول المنطقة ذاتها ليتمكنوا في ما بعد من انهاكها لغرض اخضاعها لسياسة الامر الواقع.
لذلك لم يكن يهم اميركا وفرنسا والغرب عموما مايجري من عنف يمزق الدول ويقتل الشعوب بل هي تكتفي بذر الرماد في العيون في حربها الخجولة ضد داعش في محاولة منها لفرض شروطها على ان تقوم بتصفية داعش.
اليوم الغرب يصحو منفعلا من جراء ضربة قوية من تنظيم داعش الارهابي في قلب اوروبا ويجعلها ترتجف هلعا لتصدر منه ردة فعل وكأنه اليوم ادرك حجم الكارثة الناتجة عن سكوته عن هذا التنظيم، فهذا العالم المتناقض لم يصح يوما على المأساة التي يسببها هذا التنظيم في العراق وسوريا وكل ذلك من اجل حفنة صراعات دولية وتصفية حسابات بين الدول الكبرى.
بعض السياسيين الغربيين اليوم انتبه الى خطر داعش عسكريا والبعض الاخر ايضا انتبه على خطر الفكر الداعشي وقال يجب ان نكافح ونعالج الفكر الداعشي ولكن هؤلاء لم يمتلكوا الشجاعة الكافية للاشارة الى المصدر الحقيقي للفكر الداعشي.
الغرب يعرف كل شيء ابتداء من نقطة انطلاق هذا الفكر المنحرف الى الجهات التي تساعد بهذه الطريقة او تلك ماليا وعسكريا ولكنه يقف موقفا مرتبكا ومخاتلا ازاء ذلك وما قولهم بمحاربة داعش الا اكذوبة يحاولون تسويقها ، ولكن حينما يطرق ابوابهم فالموقف مختلف بالتأكيد ولكنه في كل الاحول يكون موقفا مرتبكا خصوصا ان دولا تشكل رأس الحربة لداعش وتمويلها وتسهيل مهماتها شاركت في مؤتمر العشرين الاخير، وشكل تصريح بوتين(ان دولا داعمة للارهاب ولداعش هي مشاركة في المؤتمر) حقيقة ناصعة.
الغرب عموما يحتفظ بصداقات حميمية مع دول الخليج (السعودية وقطر انموذجا) التي لايشك قوى ومشايخ وجهات مسؤولة فيها تضخ الدماء وتنتج الفتاوى والدعم لداعش ولكنه يريد تصديق اكذوبة ان هذه الدول ضمن محور حرب داعش، انه موقف مرتبك ينم عن رغبتين متناقضتين بين خطر داعش المتنامي على الغرب وبين التحايل والمماطلة والتسويف في ايجاد العلاج الحقيقي لهذا التنظيم.
الغرب ان صدق يستطيع تصفية داعش باسابيع ان لم يكن بأيام ولكنه لايريد ان يفعل، ولذلك هو بحاجة الى عامل الصدمة ليفيق من سباته وهذا لاينطبق على الغرب فقط فكثير من دول المنطقة ايضا تتحرك بهذا المنطق وكانت ردة الفعل الاردنية والمصرية التي حدثت قبل اشهرهي بذات الاتجاه.
لذلك يعيش الغرب اليوم موقفا مرتبكا وحائرا وهو يعالج الامر بردة فعل قد تنطفئ مع الوقت حين تدخل الضربة وتأثيراتها والآمها عالم النسيان، وعلى الغرب ان يلوم نفسه قبل اي كان، فما تزرعه او تسقية تقطف ثماره . ومؤسف ان تتمدد داعش لتحصد ارواح الابرياء المسالمين الامنين في بقاع الارض وسط صمت ومواقف حكومات
مخادعة.