روح الابداع لدى الأمة، عن طريق إسكات واغتيال اصحاب الفكر، وفي كتاب»حكام مارقون»، تفضح الصحفية الاكثر شهرة في الغرب «آيمي غودمان» هذه الاخاطيل، وكذلك حلقات الفساد، وجرائم النخبة المسيطرة، المهيمنة على أجهزة الإعلام الكبيرة التي تحجب الحقيقة، فكانت «أن تذهب إلى مكان الصمت، لتقديم الحقيقة إلى الأغلبية الصامتة» وهي مولعة بمقولة مارغريت ميد القائلة، وهذا هو المهم: « لا تشكّكن أبداً أنّ مجموعة صغيرة من الناس الملتزمين المفكرين يمكن أن تغيّر العالم. في الحقيقة، إنهم الشيء الوحيد الذي غير العالم على الإطلاق.».
**********
مناسبة هذا الحديث ما أعلن مؤخرا عن شروع مجلس النواب في مناقشة واقرار قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي استناداً للمادة 38/ ثالثاً من الدستور العراقي الضامنة للحريات العامة، وذلك على خلفية التزامات الدولة العراقية بميثاق الامم المتحدة (المادة 19) التي اعطت «لكل فرد حق حرية التعبير عن الرأي» ثم «ان لكل فرد حق حرية إبداء الرأي دون تدخل خارجي» وسينفتح الباب، أغلب الظن، لمساجلات حول الاساسيات في حرية التعبير والثانويات منها، وقد يتدحرج السجال الى درابين مظلمة، أو، وهذا ما حصل سابقا، سيُسحب السجال عنوة الى تلك الدرابين لتعليق الحق الدستوري البائن، او اغتياله بدم بارد، وتسجيل الجناية على
مجهول.
وبدءا، نحتاج الى رد الاعتبار لقضية الحرية بوصفها حقا منتزعا نظير تضحيات ومعارك تاريخية مديدة، وليس مِنّة متبرع بها، وان نعاين هذه المعادلة الحساسة من زاوية مقربة لكي نميّز بين ما هو حق مطلق بالمعنى الفيزيائي، وما هي خصوصيات تأخذ بها المجتمعات وتجارب ممارسة الحريات في كل مكان، لكن كل هذه الخصوصيات لن تجعل من «الحق» هدية او وساما من اصحاب السلطان.
وحين خرج القائد الوطني الافريقي نلسون مانديلا من السجن خاطبه مبعوث دولي في احتفال حضره مليون من الملونين قائلا «يا صانع حرية هذه البلاد» فرد عليه مانديلا، متضايقا، بالقول مشيرا الى الجماهير الغفيرة بالقول:» هم الذين حرروا انفسهم» . وفي يوميات استعادة الديمقراطية في الارجنتين نقرأ ان ثمة حركة نسوية انطلقت العام 1977 بتجمع 14 أما في ساحة «ميدان مايو» أمام قصر الرئاسة ليطالبن بمعرفة مصير أبنائهن المختفين، ولأنهن مجرد مجموعة من الأمهات المسالمات فقد اضطر العسكر الى تركهن من غير تعرض، فزاد بأسهن بمرور الوقت، واصبحن قوة لقضية الحرية لاتقهر، إذ لم يتخلفن مرة واحدة، حتى اطيح
بالدكتاتورية.
**********
المشكلة في تشريعات حرية التعبير تتمثل، ليس فقط في لوازم تطبيقاتها، بل وايضا في حمايتها من التعدي واللجم والتخويف، وعندما يقال(وسيقال أغلب الظن) ان الانتهاكات لضوابط وحقوق حرية التعبير وممارسة الحريات العامة جرت وتجرى في اطار مخالفات فردية محدودة، فان الامر لايعدو عن كونه محاولة لاعطاء الانتهاكات ترخيصا، يساوي الموافقة على قتل انسان بريء بذريعة انه شخص واحد من ملايين من المواطنين لم يتعرضوا الى القتل.. فان الجريمة، جريمة، بصرف النظر عن عدد ضحاياها.
التالي مُجتزأ من تقرير (خبراء محكمة النشر) ساهمتُ في وضعه مع اثنين من الاخصائيين لجهة شكوى مطروحة على المحكمة من مسؤول في الدولة على مقال لكاتب سياسي يدخل في موصوف «حرية التعبير»:
* اننا من موقع المتابعة والمسؤولية نذكّر ان وسائل الاعلام في دول كثيرة تستخدم كل اساليب الانتقاد والسخرية والتعريض لرؤساء دول وملوك من دون ان يلجأ احدهم الى المحاكم، بل انهم يعتبرون التساهل حيال هذه التعريضات بمثابة إعلان لهم عن تسامحهم وتقبلهم للنقد، بل وحماية المنتقدين من اي تعريض او ضغط او مساس بمصالحهم او حرياتهم .
* كما ان الموضوعات التي طرحها الكاتب تدور في اطار وجهة النظر السلمية بما يعني انها لم تنحرف الى الدعوة للعنف واستخدام السلاح وتجميل الاعمال الارهابية، ولم تكن لتبرر للنظام السابق شنائعه، كما لم تحرض على الكراهية والطائفية، بل انها حملت اكثر من موقف ضد المشروع الارهابي وجماعات العنف والجريمة وفلول الدكتاتورية والفاسدين، وهي مواقف تشترك فيها مع توجهات الحكومة… وتعبئ الرأي العام لتأييد اي موقف يتصدى للفساد والجريمة.
* لقد اعتبر القانون العراقي القذف والسب الموجه الى الموظف العام او المكلف بخدمة عامة سببا من اسباب الاباحة ذلك لانه يرى فيه تغليبا للمصلحة باعمال الوظيفة وليس الى شخصه او ذاته استنادا الى احكام الفقرة (2) من المادة 433 من قانون العقوبات النافذ والسبب ان من يقوم بهذه الخدمة العامة له شخصية معنوية وما يتعرض له من نقد او قذف يقع في نطاق هذه الصفة ولا يتعدى الى شخصه او كرامته او سمعته، ولولا هذه الصفة العامة لما تعرض المشتكى الى ذلك ولما لجأ المشكو منه الى هذه المقالات وهنا ينتهي الحكم الجنائي الذي هو ركن اساسي من اركان اي جريمة كما يقول القانون من التحقيق .
* اننا نعتبر جملة المقالات تدور في حرية التعبير عن الرأي على الرغم من بعض العبارات الحادة التي، وفي كل الاحوال، لا تستوجب احالة صاحبها الى القضاء، فهذه الاحالة تضر بسمعة الحكومة اكثر مما تنفعها، علما انها تخلق اجواء من التردد في الوسط الصحفي لكشف الاخطاء والنواقص والمفاسد، وتعطي رسالة غير ناجحة الى المنظمات الدولية التي تراقب حريات الصحافة وتعارض التضييقات الحكومية على اصحاب الرأي.
«بيكه س»
لم احضر هذا العام «مهرجان كلاويز» الثقافي، كما في الاعوام السابقة.. هذا ليس موضع المقال. الموضوع هو شعوري اني لم اخسر شيئا طالما لن التقي الشاعر شيركو بيكه س الذي كنت التقيه في كل مرة احضر فيها المهرجان وفي اكثر المرات التي ازور فيها مدينة السليمانية.. الحميمة.
شيركو بيكه س إنطفأ قبل عامين. في مكتب على تلة في مدينته التي عشقها، السليمانية. انطفأ في اعلانات النعي. في مواساة الاصدقاء ومحبي شعره.
لكنه لم ينطفئ في الصالة البلورية لمبدعي الكلام والمواقف والصور الأخّاذة. لم ينطفئ في ذاكرة ووجدان كل من قرأ شعره بلغته الكردية، او مترجما الى لغات اخرى. لم ينطفئ في حافظتي. فمن منا زار السليمانية وأفلت من بهاء حفاوته؟. جمعتنا مرة طاولة ليلية. كان محيي الدين زنكنة، الذي ترجّل قبلا يشكوه من عقوق الزمن، ويرد عليه شيركو بالدعوة الى الصبر.. والحلم.. كان آنذاك يحلم في مكان بعيد عن الطاولة، ربما في قلب وردة لا نراها. كان يغلق عينيه اكثر من مرة، ويعود الينا وهو يلهث كأنه قادم من سفر على طريق وعر. شيركو بيكه س برع في محاكاة الموت، واشتبك معه في اكثر من منازلة، وهجاه في مواضع كثيرة حين كان يحصد ابناء وطنه، كردستان، الامنين، لكنه، الى ذلك لم يخصّ الموت بالخوف, بل ابتدع منه صورا تعبيرية غنائية من الحزن والعناد، واختزله الى رحلة او أغماضة عين او فكرة حالمة تتجول بين اليقظة والنوم:
أقل من غمضة عين.
أقل من نأمة حمل.
أقل من ارتعاشة ورقة.
لا نوم لي و لكنني أحلمُ.
المطر لم ينم، و لم أنم.
سألته مرة، وكان في مكتبه في «سه ردم» ما تكتب الآن؟ قال قصيدة طويلة كتبتها واعيد كتابتها من جديد، وكأنني اكتب قصيدة جديدة. قال، احاول ان اتخلص من ضغوط الواقع الى جوهر الاشياء. وسألته: واليوم ماذا كتبت، او ماذا تكتب؟ قال: هل للنشر؟ قلت لا. فانصرف يتحدث عن فكرة لم اتتبعها جيدا. صافحته بمودة فرد علي بفيض من الحب، وبعد ايام قرأت له قصيدة، يقول في بعض ابياتها:
اليوم حررت اليد لكي تكتب الريح..
دون وصاية من هذا الرأس.
شيركو بيكه س.. نجدد الشعور بخسارتنا فيك.. انها فادحة.. وسنمر على مكتبك في سه ردم، وعلى طاولتنا الليليلة في نادي السليمانية، وسنبقى نتذكرك حالما.. وحيا بيننا.
مقال سعودي.. باهظ التكاليف
هذا جزء من مقال نشرته صحيفة لندنية ممولة من السعودية مؤخرا قبل ان تكتشف انه موجه الى «الدولة» السعودية من كاتب سرعان ما تنصل عنه، وربما هو قيد الاعتقال، وادت «الفضيحة» الى منع توزيع الجريدة ليومين متتاليين..وفي الاتي جزء من المقال الذي عنوانه «هل رأى أحدكم وطناً تائهاً ؟».
«أبحث عنه في كل مكان ، وتتناثر أخباره في الهواء .. ولا أجده.
قيل ان لصوصا اختطفوه ، ويريدون فدية من كل شخص يفكر في البحث عنه ..
وقيل انهم يشربون دمه ، وقيل انهم يسحقونه تحت عجلات سياراتهم الفارهة وحوافر خيولهم التي تفوز دائما ..
وقيل انه لم يعد كما كان ..
مع أني لا أعرفه أصلا ، ولا أستطيع تخيل كيف تغير ..
وتكثر الشائعات .. عن كائن نسمع به ولا نعرفه .. سموه وطناً فقلنا آمين !
ما علينا ..
إن رايتم وطناً يبحث عن رعايا تائهين فاخبروه أنهم لا يريدون أن يجدوه حتى لا تموت أحلامهم
فالأحلام تموت حين تتحقق !
ثم أما ما لا أعنيه :
هل أتاكم حديث معالي وزير التجارة وهو يطلب من الناس أن يتكيفوا مع الغلاء وأن يغيروا عاداتهم الغذائية ؟!
هل لبس « مشلحه « وترزز في وزارته حتى يأتي بهذه الحكمة
البليغة ؟!
إن من البيان لسحرا .. يا شيخ !
لكنه رغم بلاغته ـ حماه الله من العين والحسد ـ لم يتفضل على هذا الشعب التافه ويخبرهم ماذا يأكلون بالضبط ؟
ماهو الشيء الذي لم يرتفع سعره حتى « يطفحه « هذا الشعب
التافه ؟!
التراب أصبح أغلى من أن يسد به أحد رمقه ..
والتبن أصبح مرتفع السعر لدرجة أنه لا يستطيع اقتناؤه إلا علية القوم» ..
الرأي والرأي الآخر
* الحوار العقيم
«.. فممثل هذه الكتلة يعلن بلسان الكتلة الاخرى ان التحالف بينهما امر مفروغ منه، فيما يصرح في اليوم نفسه ممثل الكتلة الاخرى ان كتلة ثالثة هي الاقرب للتحالف مع كتلته، ليخرج ممثل الكتلة الثالثة الى الاعلام ويعلن ان كتلته تنتظر التحالف الوشيك بين الكتلتين الاخريين لتنضم اليهما فورا، لتتسرب بعد ذلك تصريحات اقل رغائبية بان التفاوض (بين الكتل) اصبح عقيما».
فارس كمال نظمي- الاسلمة السياسية
* الانفتاح
«هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحدا عليه، ولا نقول : يجب على احد قبوله بكراهية، فمن كان عنده شيء احسن منه فليأت به».
ابو حنيفة – الانتقاء
* الحق قبل كل شيء
«إذا ذكرت لكم ما لا تقبله عقولكم فلا تقبلوه، فان العقل مضطر الى قبول الحق».
الشافعي- عن مستطرف هادي العلوي
* الحوار بالصراخ
«صحيح اننا حين نتحدث الى اشخاص معروفين بضعف السمع، يكون من المشروع جدا ان نرفع اصواتنا قليلا، لكن هذا لا يناقض ابدا ما ورد بان الذين يناقشون في السياسة يتحدثون صراخا، ذلك ان هؤلاء لا يريدون في العادة ان يسمعوا ما يقوله محاوروهم، مفترضين سلفا ان هؤلاء المحاورين يشكون ضعفا في السمع».
مي غصوب – مزاج المدن
* حق الآخر
«قيل ان عاصيا استضاف ابراهيم الخليل فقال له: إن اسلمت اولمتك (من الوليمة) فرفض العاصي وانصرف، فاوحى الله الى ابراهيم الخليل: يا ابراهيم لمْ تطعمه إلا بتغيير دينه؟ نحن منذ سبعين سنة نطعمه على كفره».
عبدالكريم القشيري – الرسالة القشيرية




