عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

خضير ميري… موت مشروع

المقالات 27 فبراير 2016 0 166
خضير ميري… موت مشروع
+ = -

 

 

16 مشاهدة آخر تحديث : السبت 27 فبراير 2016 – 8:54 صباحًا

 

حسن الكعبي لا يوجد حدث أكثر سوءا من حدث انهيار مشروع او تأجيل مشروع اوموت مشروع على الصعيد الثقافي بأي فعل من افعال التأجيل الكثيرة التي تطال الاشياء او تطال الانسان بوصفه منتجا للمشاريع او انه مشروع بحد ذاته.  وفعل تأجيل المشروع الانساني هو الموت ذلك المحتوم والمتوقع الذي يأتي في وقته أحيانا، ولكنه في كثير من الاحيان يأتي مبكرا ودون ان يعطي الانسان فرصة لإتمام مشروعه او جزء منه. وقد تكون هناك أفعال تأجيل كثيرة, ولكنها ومهما امتلكت من القوة إلا انها تظل افعالا وقتية تمنح الانسان فرصة إتمام مشروعه بعد زوالها أو زوال أسبابها ومسبباتها، اي ان هذه الافعال تمتلك رحمة من نوع ما. ولكن فعل الموت لا يملك الرحمة بأي مشروع من المشاريع الانسانية ومهما كانت اهميتها بسبب الطابع الحتمي والمخيف لمفهوم الموت القاهر الأكبر لفعل الثقافة او انه القاهر الأوحد للثقافة, فالثقافة تتأثر بالعوامل الطبيعية وتأثر بها كما يحدد-  تيري ايغلتون – ذلك في سياق تأكيده (لاوجود للطبيعة بدون ثقافة ولا وجود للثقافة بدون طبيعة، فالثقافة تتأثر بالطبيعة وفي نفس الوقت تحدث تغيرات كبرى فيها)، ومن ثم فإن الثقافة هي فعل تحد كبير لكثير من القهريات على تعددياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية غير أن الموت يظل هو القاهر الأوحد لها نتاج طاقته الكبرى في هدم المشاريع المنتجة داخل الثقافة والتسبب بانهيارها إلى الأبد في سياق تغييب فواعل انتاج الثقافة من المفكرين والمثقفين المنتجين داخل حقل الثقافة, والراحل خضير ميري يعد واحدا من اهم منتجي المشاريع في الثقافة العراقية، واحد اهم المثقفين الذين يمهدون لمشاريع فكرية مثيرة للجدل. ان شذرات ميري التي ضمتها الصحف والمجلات العراقية في الآونة الأخيرة كانت تبشر بولادة مشروع ثقافي عراقي كبير, وذلك لا يعني أن خضير ميري لم يكن ناشطا وفاعلا ثقافيا قبل هذه الفترة بل على العكس، فقد لمع خضير ميري في الثمانينيات كمثقف نقدي مهم يقلب الاوراق الفلسفية ويحاكمها في حواضنها الفكرية وقد استطاع عبر ذلك ان يتعرف على اهم واحدث التيارات الفكرية ويعرف بها, ولم يكن تعرف ميري على هذه التيارات هو تعرف المعجب المنبهر بها، انما تعرف المثقف المجادل الكاشف عن التماعاتها وعن ثغراتها, وظل ميري الى حين وفاته ذلك المثقف الاستشرافي المقارب والمجادل للتيارات الفكرية في حواضنها العالمية او الاقليمية او المحلية. كانت هنالك محطات توقف وغياب في حياة خضيري ميري منها توقفه في الثمانينيات بفعل ايداعه في مصح عقلي من قبل سلطة الفاشست البعثي, وان كان هذا التوقف استطاع ان ينقذه من فعل التغييب الكبير او الموت المحتوم, الا انه يظل احد اسباب التأجيل في المشروع الثقافي والفلسفي لخضير ميري ومنها توقفه بعد انهيار تلك السلطة الغاشمة, الا ان هذا التوقف كان توقف المثقف المتأمل الذي يحاول ان يتعرف على ملامح تشكل الثقافة العراقية ومتغيراتها بعد انهيار الديكتاتورية، وما اذا كانت الثقافة الجديدة قادرة على احتمال مشاريع ثقافية كبيرة ومهمة, كون هذا التأمل هو تأمل مشروع للمثقف الحقيقي الذي يسعى للاطمئنان على سيرورة انتاجه الثقافي، ولربما ان خضير ميري اكد طمأنينته بفعل عودته الى الانتاج في الثقافة العراقية قبل ان يتوقف في محطته الأخيرة والغياب الأبدي الذي مهد له المرض وبدأ يهدد بانهيار مشروعه الثقافي الذي كان بالامكان انقاذه لو امتدت يد العون للثقافة العراقية المهملة ولمشاريعها المهمة, قبل ان يتدخل فعل التغييب الكبير لمبدعيها المهمين والذين يمتلكون مشاريع مهمة كما كان ميري يحمل مشروعه الفكري المهم، ولكنهم في الان ذاته يعانون نفس آلام المرض التي كان يعاني منها خضير ميري التي كانت سببا في تغييبه الى الابد.

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار