مقداد العرادي
من المؤمل أن يصدر الرئيس الامريكي دونالد ترمب قراراً تنفيذياً رئاسياً بإستثناء رعايا العراق من دخول الولايات المتحدة الأمريكية. القرار المحتمل صدوره جاء بناء على توصية من قبل وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين. وفي الحقيقة، مثل هذا القرار ما كان له أن يجد النور اليه طريقا لولا وجود معطيات حقيقية لا يمكن تجاوزها، أو التغاضي عنها، وهي، في مجملها لا تصب في خدمة الولايات المتحدة الامريكية، ومصالحا المختلفة، والمتعددة الأطراف، في وجود موضع قدم لها في العراق، ما كانت تستطيع الحصول على عشر أجزائه، بوقت ما، في موضع إستراتيجي يخترق الخاصرة الإيرانية، قبل أن يصب ما يترتب عليه من أضرار تمس بمصلحة العراق.
من المعروف، أن هناك تحالفاً ستراتيجياً بين الولايات المتحدة الإمريكية وجمهورية العراق، يعرف “بإتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة”، وإن هذا الإتفاق له أوجه من التعاون، ليس التعاون على المستوى العسكري، فحسب، بل يشمل أوجه متعددة، أقتصادية، وثقافية، وعلمية، وتجارية، وسياحية، وغيرها من أوجه التعاون، بما فيه الإنتقال الحر والسلس لرعايا الدولتين الصديقتين. ما الذي أحدثه الأمر التنفيذي الرئاسي الأمريكي؟ أنه ببساطة، عطل كل ما تضمنه الإتفاق الستراتيجي بين البلدين، وعطل مجريات العمل بين البلدين، لما هو في صالحهما، وجعل هذه الإتفاقية، كما يقال، حبراً أزرقاً على ورق بالي. وجعل الولايات المتحدة أضحوكة أمام أصدقائها، قبل أعدائها. لأن دولة كالولايات المتحدة، وهي قائدة للعالم، دون منازع حقيقي، تضع بصمة توقيعها، من أجل إرساء صداقة وتعاون مع دولة قد تكون للوهلة الأولى ضعيفة، بفعل ما أصابها جراء الإحتلال الأمريكي وحلفائه، ولكنها دولة قوية بكل معايير وجود الدول، بل قد تكون هي الدولة المحورية في المنطقة على الإطلاق، ولا إستقرار، ولا تنمية حقيقية، ولا آفاق للمستقبل في هذه المنطقة من العالم ، دونه، وهذا ما تعرفة الولايات المتحدة وحلفائها قبل غيرها، وإلا ما معني قيام حرب في المنطقة لم يشهد العالم مثلها، منذ الحرب العالمية الأولى، أقامت كل تلك الدول مجتمعة، تحالفاً، وهي قد ناهزت الثلاثين دولة، أمن أجل دولة هامشية في المنطقة؟ ولهذا، ليس من المنطق أن تتعامل الولايات المتحدة، بإصدار مثل هذا القرار الأخرق، مع دولة لها معها تحالف ستراتيجي، وهي واحدة من الدول المعدودة في العالم التي لها معها مثل هذا الإتفاق.
حسناً فعلت وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع الامريكيتان، ومعهما مستشارية الأمن القومي الأمريكية، عندما صححوا مساراً كان خاطئا، لإدارة البيت الأبيض، وأعادوا العربة الى مسارها الصحيح. لأن قرار الحظر متناقض في جوهره، وفِي معطياته، ومنخور، ومطالب لكي يعمل، بإستثاءات متعددة. فمثلاً كيف يمكن لمجموعة من الطيارين العراقيين أن تتدرب على مجموعة طائرات من نوع أف 16 التي تعاقد العراق على شرائها في وقت سابق، وكذلك الحال الى أسلحة أخرى يتطلب وجود عسكريين عراقيين للتدريب عليها. وكيف لشخصيات سياسية وإقتصادية أن يكون لها الأمر، والقائمة قد تطول، وتطول معها قائمة الإستثناءات، وبذلك يصبح القرار إكذوبة مضحكة، عندما يطال الموضوع مصالح، وإهتمامات، كلا الجانبين. القرار، ونقض القرار المحتمل، يضع أمام العراق حقيقة لا ينبغي له تجاهلها. وأن يضع أمامه هذا الموضوع كسابقة في التعامل الدولي. اي بعبارة أكثر وضوح، أن صانع القرار، ومعه، تعمل وزارة الخارجية العراقية على وضع مجسات لمجمل الأمور، الواقع منها، والمحتمل، وذلك في دراسة تعاملهما السياسي، والدبلوماسي، بما يفضي الى خدمة مصالح العراق في هذه المجالات. فالعبرة ليست في أن يصحح قرار، بناء لمعطيات حددها صاحب القرار، نفسه. بل كل العبرة أن يكون تصحيح القرارات الخاطئة بشأن العراق، منبثقة من رؤية عراقية، وتحديد المصلحة العراقية أين تكون، والدفاع عنها، بكل السبل. بل إن الرؤية الحقيقية ينبغي أن تكون قد استشرفتها الخبرة العراقية، وتوقعتها، قبل أن تحدث، لا بعد أن يقع الفعل ثم نهرول لتداركه، مصححين