عــلــي حــســن الفــواز
تثير أزمات المنطقة أسئلة معقدة، وتنكشف على معطيات سياسية اكثر تعقيدا، لاسيما مع وجود ملفات مفتوحة تخص العلاقات المأزومة بين دول معينة، أو تخص الخنادق الصراعية في سوريا واليمن ولبنان وليبيا بشكل خاص. هذه الأزمات هي جزء من صراعات دولية مفتوحة، ومن مصالح وحساسيات تحمل معها هواجس الخوف من أن تتحول الى صراع دولي، أو انها ستفتح المنطقة ذات الاستثمارات العالية النفطية والعقارية والبنوكية على حروب من الصعب السيطرة على تداعياتها. وبقطع النظر على تصريحات الرئيس الأميركي الجديد ترامب بـ (الويل والثبور) ضد الدول المارقة، كما تسميها الأدبيات الأميركية، فإن للوقائع ومجريات الأمور حديثا آخر، إذ تظل المصالح، والرهانات الواقعية هي الخيار الأكثر براغماتية في التعاطي معها، بعيدا عن إشعال الحرائق التي ستحرق الجميع. فمع بدايات حسم العديد من البؤر الصراعية في المنطقة أخذت العديد من الدول زمام المبادرة لمواجهة تداعيات المرحلة اللاحقة، وأحسب ان زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لاتخرج كثيرا عن ذلك في سياق التعاطي السعودي مع الأحداث الجارية، رغم خصوصيتها التاريخية والدبلوماسية، وحتى السياسية، فاضطراب العلاقات السياسية مع العراق شهد تدهورا واضحا منذ العام 1990 والى الآن، وهو مايُعطي لهذه الزيارة بعدا استثنائيا. تطرح هذه الزيارة جملة من القضايا التي تخصّ العلاقات بين البلدين من جانب، وتخصّ المنطقة المأزومة برمتها من جانب آخر، فضلا عن ماتخصّ به طبيعة التحوّل في الصراع الدولي داخل المنطقة، وكذلك تضخم العديد من الملفات دون حسمها، لاسيما الملف اليمني والملف السوري، واللذين وضعا العديد من الدول (الموالية والمعارضة) أمام حسابات تتطلب المراجعة العقلانية، فالحديث عن الحسم العسكري وعن(انتصارات) موهومة، أو عن رهانات مُضللِة هو حديث عن مواقف فاقدة للمصداقية، كما أنّ الرهان على الجماعات المتطرفة سياسيا وطائفيا سيدفع بالمنطقة الى المزيد من حقول الالغام، والى خرابات ستطال الدول ذاتها. الواقعية والمشاركة الحدث العراقي ليس حدثا طائفيا كما يراه البعض من ضعاف الرؤية، بقدر ماهو حدث سياسي له مرجعيات داخلية وخارجية، وحتى طبيعة التعقيدات التي رافقت هذا الحدث، ما كان لها أنْ تكون لولا الدعم الذي مارسته بعض الدول الاقليمية- طائفيا- باتجاه التأثير على وقائعه ومجرياته، لأنّ ما حدث كان عكس احلام هؤلاء، إذ ترسخت الوقائع العراقية، وصارت ظاهرة لها قوتها وحضورها، وحتى تمظهرها العسكري والجماعاتي كان جزءا من ردات الفعل على صناعات وأدلجات التخريب، بما فيها صناعة الارهاب، ودعم الجماعات الطائفية، وتعويق التحوّل السياسي، وتمويل قوى سياسية وعشائرية على حساب بناء التعايش المجتمعي المشترك.. تعكس زيارة الجبير، ولقاءاته مع عديد المسؤولين العراقيين، والتصريحات التي أدلى بها، أهمية الواقعية السياسية، وضرورة التعاطي مع الملفات العالقة السياسية والاقتصادية والأمنية داخل سياق العلاقات الدبلوماسية