قبل أيّام، روّع أسماع أهل البصرة خبر حادث مروري فادح راح ضحيته أكثر من تسعة عشر مواطناً بريئاً كانوا في طريق العودة للمدينة على طريق السماوة السريع. سيّارة من نوع “كوستر” تحمل أكثر من ثلاثين انساناً، على رواية أحد الناجين، اصطدمت بسيّارة صالون خاصّة، “الكل صَرَخَ صرخةً واحدة وسكت سكتة واحدة”. باب السيارة أٌغلق وخنق الدخان ركابها قبل أن تشتعل النيران ملتهمة أجسادهم، نجا 12 راكباً فقط وذهب الباقي ادراج الرياح وفشل ذووهم في التعرّف على أجسادهم من شدة الحريق، أحد أسباب الحادث الكارثي هو الطريق السريع ذو الاتجاه الواحد ما يعرف عامةً بطريق الـ (سايد الواحد)، ما يعرض السيارات لخط التصادم بسبب السرعة، فضلاً عن تهالك الطريق وامتلائه بالحفر ورداءة تعبيده الذي يسبب يومياً فواجع أليمة لأهالينا في جميع البلاد. ليست هذه قصة عابرة وحيدة، بل هي حالة متكررة تحدث كلّ يوم في بيت عراقي يخرج أحد افراده في سفر ليعود محمولاً في صندوق خشب وكأنه عائد من جبهة، تنطفئ حياته ويُفجع أهله ويصير رقماً في الإحصائية وينسى كل شيء. في عام 2015 فقط، أعلنت وزارة التخطيط بأن عدد ضحايا الحوادث المرورية في العراق بنحو 12 الف مواطن بين قتيل وجريح، بينما ذهب العام الماضي في إقليم كردستان فقط ما يقارب (11800 ) مواطن بين قتيل وجريح. أما الإحصائية الأكثر رعباً، فكانت في إعلان جهاز الإحصاء المركزي، بأن العراق شهد خلال الأعوام العشرة الماضية أكثر من 66 الف حادث مروري راح ضحيته ( 22952 ) مواطناً وأصيب (79545 ) جريحاً، تخيلوا معي هذه الأرقام وعيشوا باحساسكم ما عاشه ذوو الضحايا من ألم وأسى وفقدان، كم من أحلام تحطمت؟ وأطفال يتمت؟ ونساء رُملت؟ ان حوادث المرور باتت اليوم تناهز في أرقامها وخطورتها الكبيرة عمليات الارهاب بدلالة الاحصائيات الحكومية وصارت تشكل هاجساً مرعباً وقلقاً مزمناً لجميع أفراد المجتمع وأحد المعضلات التي تستنزف الموارد المادية وتثقل الدولة بمشاكل اجتماعية وخسائر في الطاقات البشرية وهو ما يعصف بمقومات الحياة التي تجعل الفرد البشري أساساً للمجتمع. هل من المعقول أن تعجز الحكومات المتعاقبة في العراق وعلى مدار الـ 14 عاماً الماضية وفي ظل أيام الميزانيات الانفجاريّة على حل معضلة الطرق السريعة ذات الاتجاه الواحد؟ هل من الصعب حقاً معالجة التخسفات والاضرار التي جعلت من الطرق الخارجية مقبرة لابنائنا؟ إلى متى تظل الإجراءات الحكومية متهاونة مع أسباب الحوادث؟ متى نرى عقوبات صارمة بحق بعض السائقين على سرعتهم الجنونية و عدم الالتزام بالقوانين وفقدان التركيز في القيادة بسبب الهاتف النقال أو عدم اخذه قسطاً كافياً من النوم أو اهماله لسيارته وعدم صيانتها بشكل دوريّ. تأمّلوا الأرقام أيها المختصون، وارحموا الناس من إرهاب الطرق الخارجية.
علي محمود خضيّر