لا أعرف لماذا حينما اقرأ أو اسمع حين مراجعتي لإحدى الدوائر الحكومية، عبارة المراجعة من الشباك، اشعر ان أحدهم يحاول انزالي الى مرتبة لا تمت الىالإنسانية بصلة. قلتها مرارا لأصدقائي ومن يعرفني، ان من اصعب ايام حياتي هي تلك المتضمنة مراجعات لدوائر الدولة، لأنك تكون وسط دوامة استفزازات غير منقطعة، الأمر الذي يجعلك بحاجة الى ثلاجة اعصاب بشرية تلجأ اليها لتهدئة نفسك عند كل محطة عند المراجعة. ساقني قدري قبل ايام الى احدى الدوائر الحكومية لانجاز معاملة، ومن سوء حظي ان يكون المسؤولون عنها يتوزعون مابين الطابق الرابع وحتى الثامن، ما يجعلك تتحسر على ايام اللياقة البدنية المنصرمة حينما كانت السلالم تمرينا ليس إلا، بعكس صعود التعذيب هذا. لجأت الى السلالم بعدما خجلت من الولوج داخل المصاعد ومزاحمة النساء والشيوخ، فاسحا المجال أمام كبار السن لينجوا من عذابات الصعود والنزول المتكررة لـ(بايات) قد تستهلك آخر نفس في صدورهم. وصلت بحمد الله وبأنفاس متقطعة الى الطابق الرابع حيث انجاز معاملتي، لأفاجأ بكم هائل من كتل بشرية متكدسة أمام (شباكين)، فيما الضوضاء هي اللغة التي يتواصل فيها المراجعون مع الموظفين، وفجأة عم الصمت المكان نتيجة مغادرة الموظف والموظفة المسؤولين عن شباك الرجال وشباك النساء الغرفة، ليجتمع المواطنون بعد مدة انتظار امام الباب المقفل من الداخل منادين على الموظفين بالرجوع وانجاز معاملاتهم. لم استطع معرفة حقيقة شعوري في تلك اللحظة وانا أتأمل وجوه المراجعين المتعبين المشدودين بنظرهم الى الشباك، أملا بأن يطل الموظف ويعلن انجازه المعاملة (الكنز)، فما بين نظرة شيخ يائس من اكمال ما جاء يطلبه، الى عجوز تمسح العرق عن وجهها بعباءتها بدأ الغثيان والغضب يتسللان الى داخلي، وتساءلت في نفسي الى متى يستمر هذا الهوان للمواطن العراقي حينما يحتاج الى اكمال اوراق رسمية عن طريق دائرة او مؤسسة حكومية ما؟، الى متى يستمر هذا الاستهتار بالكرامة الانسانية بهذا الشكل الفظ ؟. المشكلة أن الكثير الكثير من مسؤولينا، كان يعيش لعقد او عقدين في دول العالم المتقدم، ولابد من انه شاهد بأم عينيه مظاهر احترام المواطن في دوائرهم!، وكيف تسير المراجعات بكل سلاسة هناك كما قرأنا او اخبرنا اصدقاؤنا المقيمون في تلك البلدان، بيد ان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو لماذا لم يحاول هذا المسؤول بعد عقد ونصف من الحكم تطبيق هذه التجارب المحترمة في بلدنا وتخليص المواطن من هذا الذل؟. المؤلم بحق، ان بلدانا إقليمية وعربية كانت الى وقت قريب تتغزل بالتقدم الحاصل في العراق، بدأت بأخذ خطوات واسعة في مسيرة الحكومة الالكترونية، وبات المواطن فيها يتسلم معاملته المنجزة وهو في بيته، او عند ذهابه لمرة واحدة وهو ينتظر دوره جالسا في مكان مريح لا تجد للمراجعة من الشباك اثرا فيه، بل عبارة عن عدد من الموظفين يجلسون في خانات متعددة لاستقبال المراجعين في غرف زجاجية لا يمنعهم منهم سوى مكتب يضعون عليه أوراقهم. والسؤال هل يكمن الخلل في المسؤول، ام ان بلدنا فقير والقضية تحتاج الى مبالغ مالية كبيرة ؟، أم ان المسؤولية تقع على كاهل المواطن الذي رضي بهذا الخنوع من خلال إعادة انتخاب الوجوه نفسها الذي ألجأته إلى المراجعة عن طريق (شباك الهوان).

نجم الشيخ داغر
ان من اصعب ايام حياتي هي تلك المتضمنة مراجعات لدوائر الدولة، لأنك تكون وسط دوامة استفزازات غير منقطعة، الأمر الذي يجعلك بحاجة الى ثلاجة اعصاب بشرية تلجأ اليها لتهدئة نفسك عند كل محطة عند المراجعة