
تيم آرانغو / عن صحيفة نيويورك تايمز ترجمة ـ أنيس الصفار يوم جديد يأتي حاملاً معه عناوين مؤلمة من بغداد. ففي يوم الثلاثاء الماضي وقعت اربعة حوادث تفجير الواحد تلو الآخر فاستشهد عشرات المدنيين وتلطخت الساحات العامة والاسواق ببرك الدماء وتناثرت فيها اشلاء الاجساد الممزقة. قد يبدو هذا، حدثاً مألوفاً للذين دأبوا على مراقبة اوضاع العراق خلال السنين، ولكنه ليس حدثاً اعتيادياً في بغداد, والفترة التي قضاها الأميركيون في العراق علمتهم أن عمليات التفجير الناجحة في بغداد لا ينبغي أخذها بعين الاستهانة.
داعش تخسر
اقرأ أيضا…
تفيد الرواية الرسمية بأن موجة التفجيرات الجديدة إنما هي دلالة على أن “داعش” تخسر وأنها على طريق الاندحار. فهؤلاء الإرهابيون يوجهون ضرباتهم الى بغداد كلما خسروا الأرض والمواقع. منذ بداياتهم الأولى كان إرهابيو “داعش” يبدون اندفاعاً ورغبة شديدين لإشعال حرب طائفية، وقد أثبتوا أنهم على أتم الاستعداد لدفع حياتهم مقابل ترويع الجماهير واستفزازها كي تتحرك بهذا الاتجاه، وكانت بغداد دائماً اخصب تربة لبذر هذه البذور. لقد سبق لنا أن رأينا من قبل نتائج هذا النوع من العنف المحسوب. فقد أدت موجة الهجمات المماثلة التي شنها تنظيم القاعدة بين عامي 2006 و 2007 بالنتيجة الى مقتل مئات الجنود الأميركيين وعناصر المارينز وكذلك ألوف العراقيين. انتهى الأمر الى تدمير تنظيم القاعدة، ولكنه لم يلفظ انفاسه تماماً، وفي العام 2011 اعلن أوباما أن الحرب الأميركية في العراق قد انتهت. بيد أن موجة جديدة من التفجيرات الشديدة عادت لتضرب بغداد ومدناً اخرى في 2013، وفي شهر واحد فقط وقع نحو 50 تفجيراً إرهابياً. كانت النقمة على الحكومة تتزايد عمقاً وتتصاعد شدّة، لذلك رحب بعضهم بـ”داعش” حين دخلت مناطقهم في 2014 وأبدوا الاستعداد لمنحها الفرصة.
استعادة الارض
اليوم تسحب الأرض قسراً من يد “داعش” في محافظة الانبار وشرق سوريا، ولكن رغم هذه العناوين الايجابية المفرحة، ورغم الدعم الغربي لمساعي رئيس الوزراء حيدر العبادي لإشراك جميع المكونات في الحكومة والاجهزة الأمنية، هنالك خوف من أن يؤدي هذا العنف الجديد مرة اخرى الى تغيير لغة الحوار في بغداد. من المهم أن نتذكر أن الوضع في بغداد، والمعارك على الارض مع “داعش” في المحافظات الأخرى، شأنان مترابطان مع بعضهما. كانت ردة فعل القيادة الشيعية هي توفير الحماية لبغداد، ومن المحتمل أن تتبع ذلك نداءات تطالب بسحب وحدات الجيش والشرطة من خطوط الجبهات من اجل تأمين العاصمة. على هذا النحو يمكن أن يصبح الخطر الارهابي الذي يهدد بغداد معرقلاً ومعطلاً للاندفاعات العسكرية الآخذة بالتطور خارج المدينة، بما في ذلك الجهود التي ستوجه في نهاية المطاف صوب هجوم استعادة الموصل. في مواقع التفجير التي اصابت بغداد في الاسبوع الماضي كان الناجون من الحادث يلقون باللوم على السياسيين ويطالبون بأن تتولى الفصائل الشعبية المسلحة حمايتهم إذا كانت الحكومة عاجزة عن ذلك.
الموقف الاميركي
غير أن الذين لا يزالون يتذكرون موجات العنف السابقة جيداً لديهم نظرة مختلفة عن تلك التي يلمسها المرء لدى المسؤولين الأميركيين. فالانتصارات التي يحققها الجيش ويهلل لها الأميركيون كلما طردت “داعش” عن رقعة من الارض مثل الرمادي أو تكريت تمثل نذراً مقلقة بالنسبة للبعض بقرب وقوع اعمال ارهابية عهدوها. بل ان البعض صار يفضل أن تبقى “داعش” مسيطرة على بعض المناطق إذا كان معنى هذا عدم التعرض لبغداد. فواحدة من اهدأ الفترات التي عاشتها العاصمة خلال العقد الماضي كانت تلك التي اعقبت احتلال “داعش” اجزاء من شمال العراق في 2014 واستيلاءها على مدينة الموصل، إذ يبدو أن التنظيم الهمجي انشغل الى حين ببناء “مشروعه” بدلاً من الانطلاق في مزيد من الاعمال الارهابية. عندما تكون هناك هجمات تشيع بين الناس حالة تشبه الحداد العام، ولكن هذا الشعور يغيب عادة عندما يضرب العنف فجأة على نطاق واسع، كما حدث في الاسبوع الماضي. في مناسبات مثل تلك كان قائد الفرقة السمفونية الوطنية كريم وصفي يظهر في مواقع التفجير ليعزف على آلة الجيلو، بينما الناس يوقدون الشموع ويضعون الازهار، في مشهد يذكرنا بردود فعل الناس التي رأيناها في اماكن مثل باريس وبروكسل حيث الهجمات الارهابية أمر خارج على المألوف. ولكن التفجيرات عادت حدثاً مألوفاً من جديد، ففي يوم الثلاثاء استشهد نحو 80 شخصاً في اربعة احياء من بغداد كما استشهد يوم الاربعاء الذي سبقه ما يقارب 100 شخص. شوارع بغداد اليوم يغمرها مزيج من الحزن والغضب واليأس.