عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

امين قمورية* محور وهمي أم حقيقي؟

المقالات 10 سبتمبر 2016 0 351
امين قمورية* محور وهمي أم حقيقي؟
+ = -

محور وهمي أم حقيقي؟

 

بعد اللقاء التاريخي بين بوتين واردوغان في القصر القيصري في سانت بطرسبرج، وظهور معالم الوئام والود بين الزعيمين في عانغتشو الصينية والتحسن المطرد  في العلاقات بين الدولتين، راجت تحليلات مفادها أن تحولاً جدياً يجري في العلاقات الدولية باتجاه قيام مثلث روسي – إيراني – تركي.

وتعززت تلك التحليلات مع دخول الدبابات التركية الى جرابلس بغطاء جوي في ظل منظومة الدفاع الروسية القوية في اللاذقية ، وقبل ذلك بانطلاق المقاتلات الروسية من قاعدة همدان الإيرانية، في حدث هو الاول من نوعه منذ قيام الجمهورية الاسلامية التي تحظر اي دولة أجنبية من استخدام أراضيها للقيام بعمليات حربية. وهكذا حلف اذا ما قام فعلا ، فان من شأنه احداث قوة عالمية كبرى في استطاعتها فرض  إراداتها على الجميع في المنطقة وحتى على الولايات المتحدة. لكن الأمور لا تجري في السياسة وفقاً لهذا الشكل الحسابي المجرد، ومردّ ذلك أن التناقضات العميقة القائمة بين أضلاع المثلث المفترض أكبر بكثير من المصالح الوقتية الآنية بين أطرافه. صحيح ان تناقضات سياسية وعقائدية ومصالح متعارضة احيانا تظهر علنا بين طهران وانقرة،  لكن ارث التاريخ وتضاريس الجغرافيا يشكلان حافزا لحذر بين موسكو من جهة وكل من جارتيها من جهة اخرى. فالقرب الجغرافي الروسي من إيران وتركيا يجعل من موسكو مصدر التهديد الأول لكل من طهران وأنقرة، في حين يلعب البعد الجغرافي الأميركي ـ للمفارقة – دوراً إيجابياً في تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقره وطهران. ببساطة لأن ذلك البعد الجغرافي يستبعد إمكان التهديد العسكري الأميركي المباشر، وليس لأي اعتبار أيديولوجي كما قد يتبادر إلى الذهن. فعندما انهارت العلاقات الأميركية ـ الإيرانية بعد الثورة الاسلامية وبلغت مستويات غير مسبوقة من التردي، صارت أميركا «الشيطان الأكبر»، بحسب شعارات الثورة الإيرانية. ومع ذلك لم تكن واشنطن الخصم الوحيد، بل روسيا أيضاً اذ ظهر شعار «لا شرقية ولا غربية.. إسلامية إسلامية». ولعل الاتفاق النووي الأخير بين إيران والغرب يُعَدّ – في أحد وجوهه – سعياً عقلانياً للانفتاح على أميركا من اجل تأمين المصالح  الاقتصادية والسياسية الايرانية. اما على الجانب التركي، فان انقرة رغم غضبها الشديد على واشنطن بعد خلفية دعم لكرد سوريا وتوفير الاقامة  للداعية فتح الله غولن الذي اتهمه اردوغان بتدبير الانقلاب العسكري الفاشل ضده ، لم تسمح لروسيا باستعمال قاعدة إنجيرليك الجوية، كما طالبت موسكو بعد لقاء الرئيسين بوتين وأردوغان، لأن أردوغان وأنقرة يعرفان حدود إمكاناتهما على المناورة.  كما أن القوات التركية التي اندفعت إلى داخل الأراضي السورية لمنع الكرد من اقامة منطقة حكم ذاتي متصلة على الحدود مع تركيا، تحرّكت إلى هناك تزامنا مع وجود نائب الرئيس الأميركي بايدن في انقرة. وبالطبع لم يمنع تحسن العلاقات التركية – الروسية أردوغان من الاستمرار في مواقفه المناوئة للنظام السوري، على الضد من رغبة موسكو. يختلف النظامان الإيراني والتركي في جوانب شتى، إلا أنهما يشتركان في الخوف من التهديد الجغرافي الروسي. وأظهر التاريخ غير مرة ارتطام البلدان الثلاثة المشكّلة للمثلث المفترض بحروب دامية على امتداد القرون الماضية، ما يجعل السابقة التاريخية أيضاً لا تصبّ في مصلحة قيام مثلث كهذا. ولان روسيا لن تختفي عن الخريطة وستبقى ملاصقة لايران وتركيا، فان على طهران وانقرة البحث عن ثقل موازن لروسيا، من دون أن تنزلقا إلى عداوات جديدة معها. وعلى الرغم من التراجع النسبي لإمكانات الولايات المتحدة  في النظام الدولي الراهن، إلا أنها لاتزال الاقوى دوليا على كل المستويات والثقل الموازن المفضل نظرياً لكل من إيران وتركيا في مواجهة روسيا لأسباب جغرافية وتاريخية. لاشك في ان  التطورات المتلاحقة في المنطقة لاسيما تطورات المسألتين السورية والكردية ترغم كلاً من موسكو وطهران وأنقرة على التلاقي لتحسين العلاقات بينها وعلى التنسيق أكثر في القضايا الملتهبة، لكن ذلــــك لن ينفي وجود تناقضات بنيوية عميقة بين الدول الثلاث، تلك التي لا تحلّها مصافحات ودية بين الرؤساء ووزراء الخارجية ولا بهرجة الاستقبالات في القصور القيصرية. *كاتب وصحفي لبناني

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار