عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

التحديق.. أول الاسئلة التي لا تنتهي

المقالات 18 سبتمبر 2017 0 227
التحديق.. أول الاسئلة التي لا تنتهي
+ = -

 

4 views مشاهدةآخر تحديث : الإثنين 18 سبتمبر 2017 – 10:21 صباحًا
التحديق.. أول الاسئلة التي لا تنتهي
 أمجد ياسين

في سن مبكرة، كان والدي يصطحبني معه الى المسرح والمعارض التشكيلية التي تقام في العاصمة بغداد.. كانت فرصة ذهبية للعائلة ولي للتعرف على عالمه الخاص خارج البيت والذي يلزمه العمل ساعات طوال في مكتبته التي تحتل احدى غرف البيت الرئيسة في كل بيت انتقلنا له. اذكر اني كنت اتابع كل شيء، افترس الاماكن والوجوه..احدق بها، واستمع جيدا لما يقال، كانت حاسة النظر والسمع هما المستفزتان لدي اكثر من غيرهما، هو عالم جديد بدأت اسراره تتكشف لي،عالم يمور بالصور والكلام والشخصيات التي لا اعرفها، كل شيء غريب بالنسبة لي. اذكر اني تسمرت في مكاني في احدى المسرحيات، احدق  بوجه الممثل الذي اقترب من حافة الخشبة وهو يحدق بالجمهور، كنت اظنه، لا بل اجزم انه كان يحدق بي، وانا ابادله النظر بعينين مفتوحتين على اخرهما، مصغياً لكلامه الذي اتذكره للآن، هو مشهد من مسرحية ” لو بسراجين  لو بالظلمة” تأليف يوسف العاني، وبطلتها الممثلة زينب، وفي مشهد طبع في مخيلتي ولن انساه ابداً، كانت زينب تسكب النفط من فانوس على رأسها  في محاولة لحرق نفسها. فعل التحديق هذا، والتحديق يعني (إِمْعَانُ النَّظَرِ وَتَسْدِيدُهُ . التَّحْدِيقُ بِالشَّيْءِ : الإحداقُ بِهِ ، الإِحَاطَةُ بِهِ)،  لازمني حتى اليوم.. انا امعن النظر  بالاشياء وتحديدا الفنية منها، احاول ان استنطقها، اجري حوارا خفيا معها، ابحث عن المشتركات او الاختلافات ، اتجول في عوالمها، لونها، شكلها، ابحث في التفاصيل، في المالوف وغير المألوف فيها، عن الجمال والقبح الفني فيها، عن التاويل والدلالات، الواضح والمخفي.. هكذا اخلق رغما عنها حواري معها، لا تستعصي عليّ كثيرا، فانا احترف التحديق المنتج، واحاور الفنان والمخرج والكاتب  بتحديقه لعمله اثناء وبعد انتاجه. للتحديق فعل السحر اذا ما عرفنا اين نذهب به، هو اداة طيعة لمن يمتلك حل لشفراته، وفعل عادي جدا لا بل بديهي لمن يستعجل الفهم. في المدن الاوربية التي تجبرك على فعل التحديق بها وكأنك مرب لسرب طيور تلازم عينيك فعله واتجاهه.. لانك سترى يوميا ما لم تره سابقاً او تنتبه له البارحة، فيتحول التحديق الى فعل لا ارادي ، فما بالك بالذي يمتهن التحديق ويبحث عن الجمال واكتشاف الاشياء. للأسف مدننا لا تجبرك على التحديق بها بشكل ايجابي، بالرغم من كم الجمال والموروث المخبأ فيها، تحتاج الى عين طائر لاكتشافه وازالة الاهمال عنه، والى التحديق به لاكتشاف جماله وهيبته والكتابة عنه. التحديق اول الأسئلة التي لا تنتهي، واجمل الأجوبة التي تتفتح على اسئلة اخرى، هو لذة وثقافة ووعي وفرصة لمحاورة الجمال بلغته والتعريف به.

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار