عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

الروس في سوريا.. أفغانستان جديدة بقلم: حازم مبيضين

المقالات 14 سبتمبر 2015 0 136
الروس في سوريا.. أفغانستان جديدة  بقلم: حازم مبيضين
+ = -

 

 تتواتر الأنباء عن تواجد قوات روسية تشارك في القتال ضد معارضي الرئيس السوري، دون تحديد حجمها ونوعيتها، وتثير تلك الأنباء الكثير من ردود الفعل والمخاوف لدى الدول التي عملت وراهنت على غياب الأسد من المشهد بعد انتهاء الحرب، سواء بحسمها عسكرياً أو بالتوصل إلى حل سياسي، ويدور السؤال الكبير حول المدى الذي يمكن أن يبلغه التورط الروسي لدعم بقاء الأسد، وليس سراً أن العلاقات العسكرية بين البلدين مستمرة منذ أيام الاتحاد السوفيتي، وأكدت الناطقة باسم الخارجية الروسية وجود خبراء عسكريين روس في سوريا، كاشفة أن مهمتهم تتمثل في تدريب العسكريين السوريين على استخدام المعدات الروسية، وأن موسكو مستعدة لبحث إمكانية اتخاذ إجراءات إضافية لزيادة فعالية مكافحة الإرهاب، وتناقلت مواقع الكترونية أجنبية وروسية وسورية صوراً لجنود روس في سوريا، بالتزامن مع تقارير عالمية وروسية تحدثت عن دخول القوات الروسية ميدان الصراع في سوريا، ومشاركتها في القتال إلى جانب النظام، وتشكل هذه الأنباء إن صحّت تغيراً نوعياً في طبيعة الدور الروسي تجاه الأزمة السورية.
لم يكن مفاجئاً الدعم الروسي للنظام السوري، غير أن تطوره إلى تدخل عسكري مباشر يثير مزيداً من القلق في الإقليم، لأنه يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تشمل تدخلات عسكرية أخرى تطيل أمد الصراع، بعدما ظن كثيرون أن هناك فرصة لإنهائه هذا العام، ويخشى كثيرون أن يكون هذا التدخل المحصور في المناطق الساحلية، خطوة على طريق التقسيم، وقيام دولة علوية بجانب ثلاث دويلات على أسس طائفية، إحداها تخضع للنفوذ التركي المتداخل مع الحضور الكردي، وأخرى في الجنوب خاضعة للنفوذ السعودي الأردني، ومنطقة شرقية يسيطر عليها الدواعش.
موسكو تحاول التأكيد بأن ما يحدث هو تنفيذ اتفاقية الدفاع الموقعة مع دمشق، لكن الواقع يقول إنها تفتش عن فرصة للقضاء على المعارضة السورية، عبر الزعم أنها تقاتل الدواعش والإرهاب، وبحيث تسيطر قواتها على الوضع، فتعيد ترتيب الأولويات، حيث تبدأ مرحلة من التفاوض هدفها الإبقاء على الأسد رئيساً، غير أن الغوص في رمال سوريا سيكون شبيهاً بمغامرة السوفييت في أفغانستان، التي استقطبت «جهاديين» من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وستدخل المنطقة فصلاً أوسع من الصراع، غير أن المؤكد أن بوتين يتعامل مع سوريا باعتبارها خط دفاعه المتقدم ضد انتشار إرهاب يمكن أن يتمدد فيصل إلى حدود بلاده الجنوبية، في ضوء فشل التحالف الدولي في القضاء على داعش، وهكذا يجد الروس البديل المتمثل بإرسال جنودهم وطياريهم إلى أرض المعركة المحتدمة في سوريا.
إزاء هذه التطورات يرتكز الموقف الأميركي، على ستراتيجية الانسحاب من قضايا وصراعات الشرق الأوسط، مع التركيز على ملفات أمن إسرائيل والنووي الإيراني والتطرف الإسلامي، وربطها سوية ضمن دائرة تُغلق المنطقة على صراعاتها، وتمنع تداعياتها من تصدير أي تهديد للغرب، ولعل ذلك ما يدفعها للتغاضي عن مغامرة بوتين بالتورط في سوريا، والإيحاء بأن واشنطن تنصلت بالكامل عن مسؤولياتها في تلك المنطقة، ومنحت موسكو وكالة لحلّ مشاكلها، وتظل مغامرة أفغانستان السوفيتية حاضرة في ذهن الستراتيجيين الأميركيين، وهم يأملون بإشعال طوق من النار، يمتد من أفغانستان إلى الخليج العربي وتركيا وسوريا والعراق ولبنان، ومنح الفرصة للقوقازيين الذين يحاربون في سوريا والعراق، للعودة إلى بلادهم للانتقام من الروس الذين سحقوا تمردها قبل نحو عشر سنوات.
التدخل الروسي عسكرياً في سوريا، دليل على فشل واشنطن في الشرق الأوسط، وموسكو تصم أذنيها عن التحذيرات الهزيلة التي يُطلقها الأميركيون، حول إمكانية المواجهة بين الروس ومعارضي الأسد المدعومين من واشنطن، أو حتى مع طائرات أميركية تعمل في سوريا، أما إسرائيل وموقفها مهم، فإنها ترى أن روسيا بوتين ليست عدواً، وأن تدخلها في سوريا لا يستهدف مساعدة الأسد أو إيران وحزب الله للقتال ضدها في المستقبل، وهناك من يقول إن الروس سينسقون مع الإسرائيليين لضمان توقف الرادارات ومنصات الباتريوت، عند تحليق الطائرات الروسية في المجال الجوي الاسرائيلي، فالروس عادوا ليجعلوا سوريا معقلاً روسياً هاماً، كجزء من صراع عالمي، سواء ضد الارهاب العالمي أم كجزء من المواجهة المتجددة بينهم وبين الولايات المتحدة، ومن الأفضل لإسرائيل أن تظل في موقف المراقب، طالما واصلت واشنطن اتخاذ سياسة عدم الفعل في ضوء الأزمة.
يعتقد مراقبون أن صراعاً على مستوى آخر قد بدأ في سوريا، يُذكّر بأجواء الحرب الباردة بين الروس والولايات المتحدة وسط انقسام إقليمي، وأن الجبهة السورية أصبحت أسخن من اللازم، مما يهدد بانفجار قد يكون له بعد عالمي، ليس عبر حروب الوكالة بل بالحضور المباشر للجيوش على أرض سوريا، لإعادة رسم النفوذ العالمي وخرائطه، لكن المثير للدهشة هو موقف المعارضة السورية التي توعدت روسيا، بأن الجيش الحر والثوار سيجعلون سوريا مقبرة للروس، ودعت دول الخليج وتركيا والمجتمع الدولي إلى التدخل لإيقاف بوتين عند حدّه.
نفتش عن فائدة واحدة لتدخل روسيا العسكري في سوريا فلا نجد، وبدلاً من ذلك تبرز عدة أسئلة هي: ما الذي كانت تستفيده روسيا أصلاً من النظام السوري حين كان قوياً وغير مكلف؟، وهل كان ذلك النظام أكثر من أداة ابتزاز للحليف الإيراني الذي ظل مستعداً لدفع ثمن المحافظة عليه؟، وهل يوازي ذلك مصالح موسكو مع أعداء بشار العرب والأتراك؟، بوتين وحده يعرف الإجابة.

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار