ليس من شاعر لا يصطدم بمحنة الركود والاستقرار. والركود هو بقاء موضوعات الشعر وأساليب التعبير عنها لدى الشاعر تكرر نفسها، وهو حال سبق وإن سميته (تقليد الشاعر لنفسه)، بمعنى يكون الشاعر متطفلا على ذاته الشعرية. لايدرك الشعراء جميعهم مثل هذه المحنة، بل هناك من يؤثِرهذه المحنة ويعدها خصيصة أسلوبية يمكن أن ينماز بها. بخلاف هؤلاء فإن الشاعر الماهر شديد المراقبة لتجربته؛ مرة يراقبها لحفظ الحدود بينها وبين الآخرين، وأخرى يراجعها ليصونها من آفة الخضوع لما يتراكم من نصوص له لتفادي تطفلها على بعض، وهو التطفل الناجم عن وطأة نصوصه عليه حينا وعن ركود تجربته في الشعر وفي الحياة حينا آخر. وواقعا فإن الشاعر في الحالين يكون متطفلا سواء على ذاته أو على آخرين سواه. يقترح بعض الشعراء والنقاد التوقف مؤقتا عن الكتابة، ويراد بهذا التوقف التحرر، بعد حين، من مشكلة ركود الموضوعات والتعبير. لكن التوقف وحده لا يبدو كافيا لدحر التطفل. تغيير نمط الحياة مفيد في إنعاش مصادر تجربة الكتابة، ومن ثم موضوعاتها. بالتأكيد ليس هذا التغيير مفيدا للجميع، لكن حين يكون مسبوقا بالحاجة إلى التغيير ومدعوما بإرادة التغيير فإنه مفيد حتما. هناك كثير من الشعراء محدودي التجارب والمواهب لهم من غنى الحياة وتجاربها ما يفتقر إليه كثير من كبار المبدعين. وهنا تأتي قيمة الإرادة الواعية للحاجة إلى التغيير. حتى مع استقرار الشاعر الماهر مكانيا فإن غناه الروحي ونشاط وعيه يمكن أن يكونا صيغة حيوية لتغيير نمط الحياة والعيش ومن ثم تجدد الموضوعات والتعبير عنها لدى هذا الشاعر. لغة الشاعر هي أيضا يمكن أن تركد وتتفسخ، وذلك حين تضيق لغته وتنحسر وتستعاد في كل مرةٍ، قاموسا وتراكيب. يعاني من هذه المشكلة أكثر من سواه الشاعر الذي تفتنه قراءة الشعر وحده وحتى من يوقف قراءاته عند نمط لا يتجاوزه. السياحة في اللغة، من حيث هي مادة كتابة أدبية وغير أدبية، ومن حيث هي معاجم وعلوم نحو وبلاغة، هي الوجه الآخر الضروري لتغيير نمط الحياة والعيش. الشاعر كائن متنقل بين مجالين للعيش: الحياة واللغة.
49 مشاهدة آخر تحديث : الخميس 25 أغسطس 2016 – 10:31 صباحًا