انطلاق القاذفات الستراتيجية الروسية من قاعدة جوية ايرانية لقصف مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال سوريا، يعتبر تطوراً تاريخياً في دور موسكو العسكري بالمنطقة، ونقطة مفصلية في الصراع على سوريا، وتحولاً نوعياً في العلاقات بين روسيا وايران، ونكسة واضحة لمكانة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الاوسط. هذا التحول لم يقلل من اهميته احتجاج طهران على الاعلان الروسي الذي احرجها داخليا لأنه لن يغير في مستوى العلاقة القائمة بين الطرفين. وبهذه الخطوة تؤكد موسكو أنها الطرف الخارجي الذي يأخذ المبادرة العسكرية والسياسية في سوريا، ومرة أخرى يأتي رد الفعل الاميركي الفاتر، ليؤكد عدم رغبة او عدم استعداد ادارة الرئيس أوباما لردع التحالف الروسي – الايراني – السوري النظامي، في ما يبدو انه تراجع نوعي لدور واشنطن في الحرب السورية. أضف الى ذلك أن التصعيد الروسي، يبين مرة أخرى أن اخفاق الرئيس اوباما بالتدخل العسكري في سوريا في السنوات الأخيرة، قد ترك الفراغ الذي تملأه موسكو الآن، كما يؤكد خطأ تقويم أوباما ومساعديه في البيت الابيض للتدخل الروسي العام الماضي انه سيورط موسكو في «المستنقع» السوري وسيكون مكلفا لروسيا. والموازنة التي خصصتها روسيا للتدريبات والمناورات العسكرية، تنفق الآن على عمليات عسكرية و»تدريبات» عملية، لكن أهداف القوات الروسية هذه المرة حقيقية. الخطوة الروسية – الايرانية تاريخية ، لأن ايران، حتى خلال عهد الشاه، ورغم علاقاتها العسكرية المتشعبة آنذاك مع الولايات المتحدة، لم تسمح لأكثر من خبراء عسكريين بالحضور فوق أراضيها من أجل التجسس على الاتحاد السوفياتي، ولكنها لم تعط اميركا حق استخدام قواعدها الجوية. وفي ضوء تحسن العلاقات بين روسيا وتركيا، قد لا يكون من المستغرب ان تنضم تركيا لاحقاً الى هذا الائتلاف الذي تقوده موسكو باسم مكافحة الارهاب. استخدام القوات الروسية للقواعد العسكرية الإيرانية في الحرب بسوريا، سيحد كثيراً من الخيارات الأميركية، وسيؤدي فعلا إلى زيادة القوة النارية الروسية بسوريا، على الرغم من أن هناك قاعدة عسكرية لروسيا في سوريا؟ وهنا يبرز التساؤل الاهم، ماذا تعني تلك الخطوات الروسية المتسارعة في نطاق الحرب على الإرهاب؟ وماذا عن الولايات المتحدة وعن رد فعلها وتقبلها بمتغير كبير في الساحة الشرق الاوسطية يتجاوز الحدود السورية الى ماهو ابعد؟. شكلت منطقة الخليج ولعقود طويلة بمثابة المنطقة الأميركية المحرم على غيرها الاقتراب منها عسكريا واقتصاديا لذلك فإن وجود طائرات روسية من النوع الستراتيجي في إيران ستنظر إليه الولايات المتحدة على أنه تهديد عسكري مباشر لمصالحها في الخليح، فروسيا اليوم التي كانت تطمح للوصول للمياه الدافئة في البحر المتوسط بلغت الآن المياه الحارة بعدما باتت حاضرة على خاصرة الخليج وربما تكون غدا في مواقع اخرى. وجود روسيا المعلن في سوريا هو أمر قد لا يقل خطورة من وجهة النظر الاميركية عن أزمة الصواريخ الروسية في خليج الخنازير والتي كادت تشعل فتيل حرب عالمية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، فروسيا اليوم تمضي بلا هوادة في حربها على الإرهاب واستعادة ثقلها الستراتيجي على الساحة الدولية فيما تبدو الولايات المتحدة أضعف من أي وقت مضى على المواجهة خصوصا وان الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب وهو ما يعني بالضرورة دخول السياسية الأميركية والقرارات العسكرية إلى الثلاجة لما بعد الانتخابات كما بات واضحا ومعروفا . حتى الآن الرد الاميركي على الخطوات الروسية أتى هزيلا لا يتعدى حدود محاولة الابتزاز حيث قال روبرت مالي منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج والذي يشغل أيضا منصب مساعد الرئيس الأميركي إن «واشنطن تسعى للتعاون مع روسيا حول سوريا من أجل تحقيق أهداف مشتركة، لكنها في حال فشل هذا التعاون مستعدة لاتخاذ خطوات تؤدي لإطالة أمد النزاع» .أي أن الولايات المتحدة ستستمر بدعمها للفصائل المسلحة مع أن هذا الدعم لم يتوقف بل هو معلن ومستمر ولكن هذه الخطوة لا تتعدى محاولة الابتزاز السياسي والضغط على روسيا للحصول على أكبر مكاسب ممكنة تحفظ ماء وجهها أمام حلفائها. هل نفضت موسكو غبار السنين وخرجت من قمقم الاقامة الجبرية؟ وهل ان هذا الوجود الروسي هو رد فعل على بروز الولايات المتحدة كلاعب وحيد في الساحة الدولية؟ وهل عادت موسكو رقما صعبا في المعادلة الدولية؟.
*كاتب وصحفي لبناني