وقد أوضحت القراءة الأولية لبعض الوثائق المفرج عنها مؤخراً، كيف استفادت من وسائل الإعلام الدولية فى خداع الدول العربية عن نواياها بشن حرب واسعة ضد ثلاث دول عربية، وقد ساهم فى ذلك اتسام مرحلة ما قبل حرب يونيو 1967 بعدم وجود مخططات إعلامية تهدف الى خدمة القضايا الوطنية، وقد صاحب التوتر السياسي، حملة إعلامية مصرية لتعبئة الجماهير، والشعوب العربية، وأذيعت تفاصيل عديدة عن التحركات السياسية والعسكرية، كما تم إجراء لقاءات إعلامية مع بعض العسكريين دون توعية أمنية كافية، وأدى ذلك إلى تسرب الكثير من المعلومات بدلاً من الاستفادة منها.
والمثير للانتباه كيفية إستغلال الصهاينة أدواتهم الإعلامية فى تزييف الحقائق لخدمة قضاياهم، فى حين وقع العرب فريسة للدعاية المضللة التى أدت إلى تغييب الوعى العربي، ورغم قسوة نتائج حرب يونيو 1967، إلا أن الشعب المصرى رفض الهزيمة وقبل التحدى وطالب زعيمه بالبقاء وإزالة آثار تلك الحرب، لكن هل استفاد الشعب المصرى من دروس تلك الأزمة أم مازلنا نخضع بإرادتنا عبر الاستسلام لشبكات التواصل الاجتماعى لحروب المعلومات التى تستهدف تزييف الوعى ومحاولة زرع اليأس والإحباط فى نفوس المصريين.
وبالنظر إلى تراجع مناخ الثقة بين الشعب وأجهزة الإعلام نتيجة تراجع مصداقية الحكومة وجهازها الإعلامى فى حرب 1967، فقد كلف الرئيس الراحل/ أنور السادات الدكتور محمد عبدالقادر حاتم (الأب الروحى للإعلام المصرى والعربي) برئاسة مجلس الوزراء وإعداد الدولة لحرب أكتوبر 1973، حيث وضع خطوطاً رئيسية لسياسة جديدة تتوازى مع سياسة القوات المسلحة فى الاعداد للحرب، وتقوم على إتباع المفاجأة الإستراتيجية، فاتبع أسلوباً جديداً لاستعادة الثقة المفقودة فى الإذاعة والإعلام يعتمد على الصدق والسرعة فى نقل الخبر، بحيث يسمع المواطن المصرى أول خبر عن أحداث الحرب من وسائل الإعلام المصرية، وقد أشادت كل مصادر الإعلام العالمية بمصداقية أجهزة الإعلام المصرية، كما تضافرت جهود الإعلاميين مع رجال المخابرات والعسكريين فى ملحمة حقيقية.
وخلال السنوات الأخيرة استطاعت وسائل الإعلام الالكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعى أن تكون المصدر الأساسى للمعلومات فكانت وسائل الإعلام التقليدية (المرئية، والمسموعة ، والمقروءة ) تتناقل تلك الأخبار أو المعلومات عنها دون تدقيق أو بحث، وهو ما أدى الى انتشار الشائعات والأخبار غير الصحيحة خاصة ان نسبة مصداقية الأخبار المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك ، تويتر) لا تتعدى 20 %، كما أثرت فوضى الاعلام المصرى سلباً على العديد من القضايا الهامة وكان فى مقدمتها قضية الجاسوس الاسرائيلى ( ايلان جرابيل ) الأمريكى الجنسية، واعتبر تناول الصحافة المصرية لتفصيلات القضية ونشرها فى وسائل الاعلام من أكثر السلبيات التى تهدد الامن القومى .
كما سيطر على الخطاب الإعلامى خلال المرحلة الانتقالية (المرحلة الفاصلة فى حياة الشعوب بعد الثورات ) حالة من العشوائية، وتحولت برامج الفضائيات »التوك شو« الى أماكن لتبادل الاتهامات، ورسخ العديد من المفاهيم الخاطئة حول الديمقراطية، فى ظل غياب إستراتيجية واضحة للإعلام وظهور العديد من الأيادى والقوى الخارجية التى عبثت بوسائل الإعلام سواء بشكل مباشر او غير مباشر، سواء بالتوجيه أو بخطة محكمة للتأثير فى الرأى العام، أو تقديم الدعم لاصدار الصحف والمجلات، أو إنشاء القنوات الدينية و قنوات المنوعات التى سرعان ما تحولت الى قنوات اخبارية بعد أن أصبح الخبر هو أكبر مصدر لجذب المشاهدين، ورغم فشل الصحف و القنوات التليفزيونية الرسمية فى الصمود فى مواجهة تلك المخططات، إلا أن إجهاضها قد ارتبط برغبة الشعب المصرى فى الحفاظ على هويته الوطنية، فقد كان الهدف الاساسى الوصول الى تخريب القوات المسلحة، ولكن إيمان المواطن المصرى بالدور الوطنى للمؤسسة العسكرية خلال تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، وقدرتها على حماية مؤسسات الدولة وتأمينها داخلياً، والدفاع عن حدودها فى وقت واحد، قد ساهم فى تحصين الجبهة الداخلية ضد محاولات اختراقها والمساس بوحدتها وتماسكها.
وإذا كان الاعلام المصرى فى مرحلة ما بعد يونيو 67 قد استفاد من أخطائه، ورسم استراتيجية إعلامية كان لها الفضل فى دعم قدرات وصمود الشعب المصرى وتأهيله لمعركة التحرير فى أكتوبر 1973، كما دعمت جهود القوات المسلحة لتحقيق النصر، فإن على المجلس الأعلى للاعلام والصحافة دوراً مهما فى إعادة بناء منظومة الإعلام وميثاق الشرف الخاص بها، وبلورة خطة اعلامية تستهدف حشد الشارع المصرى نحو هدف قومى موحد وهو الحفاظ على استقرار الوطن وممارسة حياة ديمقراطية سليمة، لمساعدة الدولة فى تجاوز المخاطر والتهديدات التى يتعرض لها الأمن القومى خلال المرحلة الحالية