ان مرحلة الفوضى والارباكات التي شهدتها المنطقة العربية وبضمنها بلادنا في اطار التأسيس لمشروع الشرق الأوسط الكبير ستعقبها مرحلة الاحتواء الاقتصادي التي ستسهم فيها رساميل الشركات التي تحكم العالم والتي تتعرض حاليا لمحددات قانونية وبيئية صارمة في دول ما يطلق عليه بالشمال الصناعي، فضلا عن دعوات الحمائية التي يرفعها اليمين الليبرالي والتي جعلت من دول الجنوب الغنية بمصادر الطاقة والخامات والأيدي العاملة الرخيصة وجهة لهذه الرساميل بجانب كونها سوقا عملاقة لاستهلاك السلع ومنتجات المعرفة وبيئة استثمار تغيب فيها قوانين العمل وقوانين حماية البيئة والضمانات الاجتماعية التي تشكل ضغطا على ربحية الرساميل في بيئات العمل بالولايات المتحدة وفي دول الرفاه الأوروبي. وبالتالي فان دول الشرق الأوسط وشقيقاتها المجاورة هي بيئات واعدة لنفوذ هذه الرساميل التي ستسهم في ازالة حدود الدولة القومية باطار عولمة اقتصادية وثقافية تديرها هذه الرساميل المحتكرة لاقتصاد المعرفة وأدوات الادارة عن بعد. هذا الاحتواء الاقتصادي الذي سيكون أداة رافعة لمعدلات التنمية والتشغيل، سيقوّض بدوره مساحة التأثير التي يتحرك بها الفكر المتطرف الذي أعلن رسميا عن نفاذ صلاحيته على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار المنعقد في الرياض بالرابع والعشرين من تشرين أول الحالي. وننقل هنا تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي بدا متحمسا وواثقا من بداية مرحلة جديدة تكون فيها نهاية التطرف والعودة الى الاسلام الحقيقي وهو يعلن عن مشروع “نيوم” العالمي الذي تقدر قيمته بنحو نصف ترليون دولار .. قائلا “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب… لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم”. تصريحات سلمان جاءت بعد أقل من اسبوع على اعلان السعودية انشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية ، ما يشير الى ان الاحتواء الاقتصادي الذي بانت ملامحه باعلان مشروع “نيوم” سيكون مدعوما بفعل ثقافي واجرائي لانهاء دور الحركات المتطرفة التي كانت أداة في صناعة الفوضى الخلاقة. ويقع مشروع “نيوم” داخل أراضي كل من السعودية ومصر والأردن وعند نقطة التقاء تجمع أفضل ما في المنطقة العربية، وآسيا، وأفريقيا، وأوروبا وأميركا، وسيتكون من 9 قطاعات استثمارية متخصصة تهيمن على مستقبل (الطاقة والمياه والنقل والتقانات الاحيائية والغذاء والعلوم التقنية والرقمية والتصنيع المتطور والإعلام والترفيه والمعيشة) وسيعمل على جذب الرساميل العالمية . وتمتاز منطقة المشروع بخصائص مهمة، أبرزها الموقع الستراتيجي الذي يطل على ساحل البحر الأحمر وهو الشريان الاقتصادي الأبرز الذي تمر عبره قرابة 10 بالمئة من حركة التجارة العالمية، بالإضافة إلى أن الموقع يعد محوراً يربط القارات الثلاث؛ آسيا وأوروبا وأفريقيا، إذ يمكن لـ70 بالمئة من سكان العالم الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى” بحسب تقارير اقتصادية”. وتحدثت وسائل اعلام عن هذا المشروع بوصفه مشروعا فريدا من نوعه في العالم بما سيمتلكه من تقانات مستقبلية يتمثل بعضها في حلول التنقل الذكي، والأساليب الحديثة للزراعة وإنتاج الغذاء، والشبكات المجانية للإنترنت الفائق السرعة أو ما يسمى بـ”الهواء الرقمي” والخدمات الرقمية المتكاملة. ويتطلع القائمون على “نيوم” لتحقيق أهدافه الطموحة بأن تكون المنطقة من اكثر المناطق أمنا بالعالم، عبر توظيف أحدث التقنيات العالمية في مجال الأمن والسلامة وتعزيز كفاءات أنشطة الحياة العامة، من أجل حماية السكان والمرتادين والمستثمرين. اذن هي نقطة الشروع بمرحلة الاحتواء الاقتصادي، وبداية التأسيس لـ”صفقة القرن” التي أشار لها الرئيس المصري السيسي في لقائه مع ترامب في أيلول الماضي، ادركتها القيادة الشابة في العربية السعودية فبادرت لتقديم التسهيلات والأموال لتكون جزءا من المشروع الشرق أوسطي وتحجب الفصل الأخير من مسرحية الربيع العربي عن العرض في منطقة الخليج .

محمد شريف أبو ميسم