عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي
عقيل جمعه عبد الحسين الموسوي

وعادت الكوليرا من سباتها بقلم: د. أحمد مهدي الزبيدي

المقالات 29 سبتمبر 2015 0 147
وعادت الكوليرا من سباتها  بقلم: د. أحمد مهدي الزبيدي
+ = -

 حين انتشر وباء الكوليرا بمصر في أربعينيات القرن الماضي، وأعلنت الإذاعة عن موت 300 إنسان في يوم واحد فقط، انفعلت نازك الملائكة لتكتب قصيدة عمودية، لم تكن راضية عنها فمزقتها، حتى وصل العدد الى الألف فكتبت نازك قصيدتها الحرة الأولى (الكوليرا) التي ترثي بها موتى مصر، فالوباء قتل فقراء مصر، وأحيا شعراء العراق، والتصقت بذلك الزمن امراض تكاد أن تكون تراثية كالحصبة والجدري … شاعت في زمن رداءة البيئة الصحية الملاصقة للأرياف وقلة الخدمات وتخلفها.
ومضى على ذلك الزمن سبعون عاما تقريبا ولا تزال امراضنا تراثية ومتخلفة فبدأت تطفح على أرضنا رائحة التخلف الصحي المصاحب لتلك الامراض التي عفا عليها الزمن ولاكتها أجساد الموتى الفقراء.
وكالمعتاد اتخمت السبتايتلات الفضائية بتصريحات كوكتيلية متنوعة منها لرئاسة الوزراء وللبرلمانيين ولوزارات متعددة كالصحة والبيئة والتربية وحقوق الانسان .. كلها تتقاذف التهم وتتبادل الشتائم المضمرة حتى غدت الكوليرا هي الاخرى مرضا طائفيا وبأنه (مؤامرة) خارجية تقودها اياد خفية لأجندات خارجية.. تلك العبارة الجاهزة التي يمكنك ان توظفها بشتى مجالات الحياة العراقية، حتى الدينية
منها.
وحين شمرت الحكومة عن سواعدها لتكافح ذلك المرض التراثي القديم سارعت بإجراء سهل للغاية لا يكلفها عناء ولا مالا وهو تأجيل الدراسة الابتدائية ليوم الثامن عشر من تشرين الاول وكأنها ضمنت سيطرتها على المرض بالاتكاء على (الطبيعة) لتسد عجزها
الخدماتي.
والغريب في الأمر أن المحافظات التي شهدت تسجيلا لأعراض المرض نادت وزارة المالية بتخصيصات مالية جديدة لشراء مادة الكلور المنقي للماء من (الجراثيم)، وتدخل البرلمان أيضا ليمضي أوقاتا ممتعة له بالحديث عن سبل مكافحة المرض وهي تكاد أن تنحصر بالبعد المادي، وهذا كله يعكس مدى غياب الوعي المؤسساتي والحنكة الإدارية في معالجة الحالات الطارئة فضلا عن انه يعكس تخلف البيئة الصحية غير الصالحة للحياة الانسانية النقية اللائقة بالإنسان المعاصر الذي يعيش في بلد متخم بخيرات، يسمع عنها
ولا يحياها.
وبعيدا عن سياسة التقشف المالي التي تحولت الى شماعة ومسوّغ للعجز الحكومي في مواجهة الإشكاليات الآنية، أقول: هل تعلم الحكومة بأن محطات المياه (الصالحة للشرب) المقدمة من الدوائر التابعة لها، هي من أكثر المحطات ذات (الفساد الصحي)؟ وهل تعلم بأن نسبة كبيرة من أبناء هذا البلد يعتمدون على دكاكين المياه الصغيرة لشراء الماء (الصالح للشرب)؟ والمفارقة أن وزارة الصحة تتابع بكلل وعجز تلك الدكاكين ومحطاتها لمراقبة شروطها
الصحية ..
في حين أنها تغض الطرف عن المحطات المائية الرسمية التابعة للحكومة، وهكذا مثلما يعتمد المواطن على المولدات الأهلية لتوفير الكهرباء أصبح يعتمد على محلات «السوبر ماركت» لتأمين الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي .. ولا أدري إذا استمر المرض في انتشاره هل سيعود بالقصيدة الى عموديتها؟ وهل ستبعث نازك من جديد بثوب
تراثي؟.

 

 

شاركنا الخبر
احدث الاضافات
آخر الأخبار