بعد أكثر من عام ونصف على شغور المنصب الرئاسي في لبنان، والتجميد المتعمد لبقية السلطات، طرأ جديد لم يكن متوقعاً، تمثل بترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكن ذلك لم يستفز المرشح المزمن العماد ميشال عون، الذي سارع لقطع الطريق على ما اعتبره محاولة لزعزعة علاقاته مع فرنجية، فيما تمسك حزب الله بموقفه المؤيد للعماد، ولزم المقرّبون من فرنجية الصمت بانتظار اجتماع بين فرنجية وعون، كما التزم الرئيس نبيه برّي الصمت، باعتبار أن الموضوع لم يأخذ طابعاً رسمياً، رغم تسريبات من فريق الحريري بأن الأمر يأتي ضمن صفقة، تهدف للوصول إلى تسوية داخلية، وتحظى برضا سعودي أثار استياء جماعة عون وغضب مؤيدي جعجع، ويؤيدها جوكر مجلس النواب وليد جنبلاط.
لبنان بعد لقاء الحريري وفرنجية في باريس ليس كما قبله، غير أن إمكانية البناء على ذلك اللقاء تنتظر مواقف آخرين، عون بتحالفه مع حزب الله، وجعجع بتحالفه مع تيار المستقبل، ويمكن للرجلين إن اتفقا عرقلة خطوات الحريري، باعتبار أنها تعبير عن تحالف يجمعه مع بري وجنبلاط، يحاول ان يفرض اسم رئيس الجمهورية، بعيداً عن الشارع المسيحي، وقد يصل الأمر بجعجع حد المبادرة إلى دعم ترشيح عون، باعتباره الخيار الأفضل من بين خيارين «سيئين»، وعندها سيفقد حاضنته السعودية، وهي الوحيدة الداعمة له في الإقليم، ويدخل في باب خلط الأوراق أن حزب الكتائب يرشح الرئيس أمين الجميل، باعتباره الأقدر على أن يكون وفاقياً.رغم كل ما يحيط بالمنطقة من تطورات دراماتيكية متسارعة، فإن الساحة اللبنانية انشغلت بفكرة الإتيان بفرنجية رئيساً، وعلى الأخص عند المسيحيين المعنيين طائفياً أكثر باسم الرئيس، بينما يؤكد صاحب الشأن بأن موقفه المبدئي من ترشيح عون لم يتغير، ما دام مرشحاً للرئاسة، وأنه لا يمكن بأي حال أن يتقدم على العماد، رغم أن المعروف أن العلاقة بين كتائب الجميل ومردة فرنجية، تتوطد كلما تحسنت العلاقة بين عون وجعجع، وبما يفيد بأن الكتائب ستصطف خلف فرنجية إن انحصرت الترشيحات بينه وبين العماد والحكيم، فيما يبدو واضحاً ان الرئيس بري، وهو لاعب مهم ورئيسي، يحاول اقتباس تجربة مؤتمر الدوحة ولبننتها، غير أن مواقف الدول التي رعت ذلك الاتفاق قبل حوالي عشر سنوات، على أساس تزامن انتخاب رئيس الجمهورية مع قانون الانتخابات النيابية، ليست في وارد ذلك اليوم.
«السلة المتكاملة» التي طرحها حسن نصر الله وتلقفها الحريري، تحتاج إلى تحديد الأولويات، فتيار المستقبل يصر على انطلاق المعالجة من رئاسة الجمهورية يليها قانون الانتخاب، فيما يعتبر حزب الله وحلفاؤه ان التفاهم على قانون الانتخاب هو الرافعة لما يليها، ويعتقد مؤيدو ذلك بأن مبادرة نصرالله تعتبر مدخلاً للدخول في مرحلة جديدة، وهي سلة تحتمل البحث في كل شيء، دون أن يعني ذلك التخلى عن دعم ترشيح العماد، وباعتبار أن من خصائص التسوية المتكاملة قدرتها على اجتراح تنازلات متبادلة، قد تفضي للتوافق على انتخاب عون، مقابل حصول الطرف الآخر على أمور ترضيه في ملف آخر.
يقف الصرح البطريركي مُحايداً فهو لا يؤيد مرشحاً محدداً، فإن رست التسوية على فرنجية كمرشح توافقي، فالكنيسة تبارك، ومع أنها ترى أنه صعب المراس في تفضيله الفصل بين العمل الكنسي والعمل السياسي، فإنها تؤكد أن ذلك لن يؤثر على تلاقيهما حول العنوان الوطني العام، فيما تتخوف قوى 8 آذار بأن يكون الأمر مناورة حريرية، كما حصل سابقاً مع العماد بهدف إطاحته، ثم التراجع عن دعم فرنجية بذريعة غياب الإجماع المسيحي حوله، أما حزب الله الملتزم الصمت حتى اللحظة، فإنه لا يزال على موقفه من ترشيح عون، ولا يفكر في ممارسة أي ضغط عليه، وهو أبلغ فرنجية خشيته من مناورات الطرف الآخر، وأنه على موقفه بأن مفتاح الرئاسة في يد عون.المهم أن اللبنانيّين مع التسوية الشاملة، على أن يكون هدفها الأوّل الاتفاق أو التفاهم على رئيس للجمهوريّة، وتكون بنود التسوية أساساً في برنامجه، واغتنام فرصة تشجيع إقليميّ ودوليّ للشروع في البحث عن تسوية وطنية شاملة، تسترجع الدولة والمؤسّسات والقوانين والأنظمة، من الفوضى التي يتخبّط فيها لبنان منذ أكثر من عامين، وليس سراً أن عملية ترشيح فرنجية ألقت حجراً في مياه البركة الراكدة، وقد تأتي به سيداً يعيد الحياة لقصر بعبدا، حيث سيكون سليمان فرنجية الثاني رئيساً للبنان مع اختلاف الظروف التي أتت بجده إلى المنصب.
*كاتب أردني
لبنان بعد لقاء الحريري وفرنجية في باريس ليس كما قبله، غير أن إمكانية البناء على ذلك اللقاء تنتظر مواقف آخرين، عون بتحالفه مع حزب الله، وجعجع بتحالفه مع تيار المستقبل، ويمكن للرجلين إن اتفقا عرقلة خطوات الحريري، باعتبار أنها تعبير عن تحالف يجمعه مع بري وجنبلاط، يحاول ان يفرض اسم رئيس الجمهورية، بعيداً عن الشارع المسيحي، وقد يصل الأمر بجعجع حد المبادرة إلى دعم ترشيح عون، باعتباره الخيار الأفضل من بين خيارين «سيئين»، وعندها سيفقد حاضنته السعودية، وهي الوحيدة الداعمة له في الإقليم، ويدخل في باب خلط الأوراق أن حزب الكتائب يرشح الرئيس أمين الجميل، باعتباره الأقدر على أن يكون وفاقياً.رغم كل ما يحيط بالمنطقة من تطورات دراماتيكية متسارعة، فإن الساحة اللبنانية انشغلت بفكرة الإتيان بفرنجية رئيساً، وعلى الأخص عند المسيحيين المعنيين طائفياً أكثر باسم الرئيس، بينما يؤكد صاحب الشأن بأن موقفه المبدئي من ترشيح عون لم يتغير، ما دام مرشحاً للرئاسة، وأنه لا يمكن بأي حال أن يتقدم على العماد، رغم أن المعروف أن العلاقة بين كتائب الجميل ومردة فرنجية، تتوطد كلما تحسنت العلاقة بين عون وجعجع، وبما يفيد بأن الكتائب ستصطف خلف فرنجية إن انحصرت الترشيحات بينه وبين العماد والحكيم، فيما يبدو واضحاً ان الرئيس بري، وهو لاعب مهم ورئيسي، يحاول اقتباس تجربة مؤتمر الدوحة ولبننتها، غير أن مواقف الدول التي رعت ذلك الاتفاق قبل حوالي عشر سنوات، على أساس تزامن انتخاب رئيس الجمهورية مع قانون الانتخابات النيابية، ليست في وارد ذلك اليوم.
«السلة المتكاملة» التي طرحها حسن نصر الله وتلقفها الحريري، تحتاج إلى تحديد الأولويات، فتيار المستقبل يصر على انطلاق المعالجة من رئاسة الجمهورية يليها قانون الانتخاب، فيما يعتبر حزب الله وحلفاؤه ان التفاهم على قانون الانتخاب هو الرافعة لما يليها، ويعتقد مؤيدو ذلك بأن مبادرة نصرالله تعتبر مدخلاً للدخول في مرحلة جديدة، وهي سلة تحتمل البحث في كل شيء، دون أن يعني ذلك التخلى عن دعم ترشيح العماد، وباعتبار أن من خصائص التسوية المتكاملة قدرتها على اجتراح تنازلات متبادلة، قد تفضي للتوافق على انتخاب عون، مقابل حصول الطرف الآخر على أمور ترضيه في ملف آخر.
يقف الصرح البطريركي مُحايداً فهو لا يؤيد مرشحاً محدداً، فإن رست التسوية على فرنجية كمرشح توافقي، فالكنيسة تبارك، ومع أنها ترى أنه صعب المراس في تفضيله الفصل بين العمل الكنسي والعمل السياسي، فإنها تؤكد أن ذلك لن يؤثر على تلاقيهما حول العنوان الوطني العام، فيما تتخوف قوى 8 آذار بأن يكون الأمر مناورة حريرية، كما حصل سابقاً مع العماد بهدف إطاحته، ثم التراجع عن دعم فرنجية بذريعة غياب الإجماع المسيحي حوله، أما حزب الله الملتزم الصمت حتى اللحظة، فإنه لا يزال على موقفه من ترشيح عون، ولا يفكر في ممارسة أي ضغط عليه، وهو أبلغ فرنجية خشيته من مناورات الطرف الآخر، وأنه على موقفه بأن مفتاح الرئاسة في يد عون.المهم أن اللبنانيّين مع التسوية الشاملة، على أن يكون هدفها الأوّل الاتفاق أو التفاهم على رئيس للجمهوريّة، وتكون بنود التسوية أساساً في برنامجه، واغتنام فرصة تشجيع إقليميّ ودوليّ للشروع في البحث عن تسوية وطنية شاملة، تسترجع الدولة والمؤسّسات والقوانين والأنظمة، من الفوضى التي يتخبّط فيها لبنان منذ أكثر من عامين، وليس سراً أن عملية ترشيح فرنجية ألقت حجراً في مياه البركة الراكدة، وقد تأتي به سيداً يعيد الحياة لقصر بعبدا، حيث سيكون سليمان فرنجية الثاني رئيساً للبنان مع اختلاف الظروف التي أتت بجده إلى المنصب.
*كاتب أردني