ان قيام الدكتور العبادي بزيارتين الى الرياض في تاريخين متقاربين (اربعة اشهر) يشير بشكل جلي الى الرغبة الكبيرة والعميقة لدى القيادتين العراقية والسعودية للانتقال بالعلاقة ، المتطورة اساساً ، بين البلدين الى مستوى أرقى ومتميز بين دولتين محوريتين ومهمتين في المنطقة . لا شك ان الاعلان عن تشكيل مجلس التنسيق العراقي السعودي يشكل تطوراً وانتقالاً مهماً في مسار العلاقات المتطورة على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية ، ولعل اكثر التعبيرات التي تنطوي على دلالات مهمة هي وصف العبادي بتشكيل مجلس التنسيق ، بأنه ثمرة الجهود والنوايا الطيبة المشتركة بين البلدين وتأكيده أنه يشكل منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقة بينهما . ان مضمون بنود هذا المجلس التي درست وأعدت خلال الأشهر الاربعة ، منذ الاعلان المبدئي عن تشكيله الى الاعلان رسمياً عنه باحتفال مهيب فلانه انطوى على ابعاد ستراتيجية مهمة لمصلحة الشعبين والبلدين : العراق والسعودية ، بل ولمصلحة دول المنطقة كذلك . اول هذه الأبعاد هو التطور المتميز والمتسارع في العلاقة بين البلدين والشعبين على مختلف الصعد . اما البعد الثاني فهو استعداد الرياض لتقديم المزيد من الدعم والمساعدة في اعادة اعمار المناطق التي دمرها غزو داعش للعراق ومحاربته وهنا ينعقد الرهان على دعم مهم للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الاخرى في مؤتمر الدول المانحة للعراق الذي سيعقد قريباً في الكويت . اما ثالث هذه الابعاد الستراتيجية فيتجلى في تمكن العراق ومساعيه لتحقيق التوازن في مواقف العراق ازاء صراعات ومحاور المنطقة بما يجنب العراق الآثار السلبية لتلك المحاور وصراعاتها ، بل ويساعد موقف التوازن على الحد من تلك الصراعات وتبريد توتراتها . ويتجلى البعد الستراتيجي الرابع في تمكن العراق من توظيفه لعلاقاته المتطورة مع الرياض وتشكيل مجلس التنسيق للتأسيس لمبادرات ايجابية يقوم بها لاحقاً لخفض التوتر او تحسين العلاقات بين الرياض وطهران نظراً لعلاقاته المميزة بين العاصمتين . اما البعد الستراتيجي الخامس فيتمثل بطمأنة دول الخليج الأخرى، بسبب تطور العلاقة مع الرياض، من أي مخاوف او اثار سلبية للسياسة العراقية التي اتسمت بها هذه السياسة في المراحل السابقة وخاصة ابان الحكم الصدامي. ويتجلى البعد الستراتيجي السادس، في ترشح العراق ، بعد التحسن المتسارع في علاقاته مع السعودية ودول الخليج الاخرى، فضلاً عن دول الاقليم ، لأداء دور اقليمي سلمي فعال على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية بمساهمته في حل وتسوية قضايا المنطقة وبما يبدد الصورة النمطية السلبية التي تولدت عن العراق لدى شعوب ودول المنطقة وخاصة ابان حكم نظام صدام ، وحتى ابان بعض انظمة الحكم العديدة التي سبقته. وهكذا يمكن القول ان زيارة العبادي الاخيرة للرياض، وبما حملته من اهمية ودلالات وابعاد ستراتيجية قد مثلت حقاً زيارة تاريخية بأهدافها ونتائجها، التي يأمل شعبا العراق والسعودية ان يشهدا آثارها وتحققها في الواقع.
عبد الحليم الرهيمي
بعد أربعة اشهر من الزيارة التاريخية الأولى التي قام بها رئيس مجلس الوزراء الدكتور العبادي الى المملكة السعودية يومي 20 و21 من شهر حزيران الماضي ، تأتي الزيارة الأخيرة يوم السبت الماضي وبمرافقة وفد كبير من الوزراء والمختصين لتشير الى الأهمية الكبيرة التي تنطوي عليها هذه الزيارة لدى بغداد والرياض .
وبينما كان الأمر المهم اللافت في الزيارة الأولى هو ، عدا تأكيد الرياض على تقديم المزيد من دعمها للعراق في محاربة الارهاب ، الاعلان عن اتفاق مبدئي على تشكيل مجلس تنسيقي عراقي سعودي ، فقد أعلن رسمياً في اليوم الثاني للزيارة الأخيرة (الاحد الماضي) تشكيل هذا المجلس وعقد اجتماعه الاول ، حيث حظي بتأييد ومباركة اميركية تمثلت بحضور وزير الخارجية ريكس تيلرسون احتفال الاعلان عن انطلاق هذا المجلس كاشارة الى دور ومساعدة واشنطن في التوصل الى الاتفاق على تشكيل هذا المجلس .