أجمع اعضاء مجلس نواب وسياسيون كرد على ان خطوة رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بالتنحي عن رئاسة الإقليم وتوزيع صلاحياته بين الجهات العليا في الاقليم ستسهم بالتمهيد لحوار حقيقي مع الحكومة الاتحادية يقوم على أساس الدستور العراقي بعيدا عن التشنجات السياسية السائدة خلال الفترة الماضية، وفيما أبدى السياسيون الكرد تفاؤلهم بانفراج الأزمة المعقدة في إقليم كردستان، حذروا من “مراوغة” والتفاف بارزاني على خطوته “المتأخرة” في التنحي لتسنم منصب سياسي أعلى في الإقليم. خطوة “التنحي” قوبلت بترحيب الأوساط السياسية في بغداد، معبرين عن املهم باستقدام وجوه كردستانية جديدة للتفاوض مع الحكومة الاتحادية بشأن المشاكل العالقة. وقالت عضو مجلس النواب عن حركة التغيير شيرين رضا: إن “توزيع صلاحيات رئاسة الاقليم أمر غير مجد، إذ من المفترض ان تقدم حكومة الإقليم استقالتها وتشكيل اخرى للطوارئ لتسيير الامور لحين اجراء انتخابات جديدة”. وأضافت رضا في تصريح خصت به “الصباح”، أن “بارزاني ألح كثيراً بمسألة تجميد صلاحياته والاستفتاء، في حين ان هذا المصطلح يعني ايقاف كل تلك الفعاليات الى حين تجاوز الازمة مع المركز واستخدامه كورقة ضغط مرة اخرى”، مؤكدةً ان “الاحزاب المعارضة في الاقليم لن تكتفي بهذا؛ بل انها تريد استقالة رئيس الاقليم والحكومة والبدء بمرحلة جديدة في الاقليم”. وتابعت رضا، أن “أعضاء حركة التغيير والجماعة الاسلامية وقفوا بالضد من مشروع توزيع صلاحيات رئيس الاقليم، ولا يكتفون بهذا القرار ما لم يطبق قرار الاستقالة وتشكل حكومة للطوارئ في الاقليم لحين اجراء انتخابات جديدة”، موضحة ان “بارزاني معروف عنه المراوغة السياسية وهو يحاول ان يستخدمها في الوقت الحالي لايهام الاحزاب المعارضة والحكومة المركزية بأنه قد تنحى عن منصبه ليعود بمنصب آخر اعلى مما هو موجود في الوقت الحالي”. رضا اكدت أن “الحكومة المركزية لن ترضى ببقاء حكومة الاقليم الحالية الفاقدة للشرعية، بل انها ترغب بوجود شخصيات اخرى جديدة للتباحث معها بشأن مستقبل كردستان نظراً لعدم ثقتها بالشخصيات الحالية التي اوصلت كردستان الى ما هي عليه رغم نداءاتها ونصح دول الجوار والدول الكبرى من دون ان تكون هنالك اية استجابة، بل الاصرار على اجراء الاستفتاء المخالف للدستور والقانون”. ونبهت النائبة الكردية إلى انه، “كان على بارزاني تقديم استقالته بعد ان دخلت القوات العسكرية مدينة كركوك، الا انه اصر على الخطأ بإعطاء اوامر الى قوات البيشمركة بالدفاع عن تلك المدينة وضرب افراد الجيش العراقي مما ادى الى وقوع شهداء من الطرفين”، منوهة بان “السلطة في الاقليم لم يكن ينقصها اي شيء فهي تبسط سيطرتها على محافظات الاقليم والمناطق المجاورة لها وكانت مرحبا بها بين الدول، الا ان بارزاني أصر على اقامة استفتاء ادى الى وصول كردستان الى هذه المرحلة”.
استغلال الصلاحيات من جانبه، قال عضو مجلس النواب فريد الابراهيمي: ان “بارزاني من الشخصيات الدكتاتورية التي سيذكرها العراق، بعد ان حكم الاقليم بالحديد والنار طوال 16 عاماً، وجر الويلات على شعب كردستان باستفتائه غير الشرعي”. واضاف الابراهيمي في تصريح خص به “الصباح” ان “بارزاني قد خول صلاحيات كثيرة الا انه لم يعرف كيف يستغلها في تحقيق العيش الرغيد لابناء شعبه وفتح افاق جديدة للتعاون والبناء والاعمار بعد طرد “داعش” مع الحكومة المركزية، مما حدا به الى استغلال انشغال الحكومة المركزية مع تلك العصابات للسيطرة على مناطق واطلاق تصريحات استفزازية بقوله انها (حررت بالدم ولا يمكن ان تعود الا بالدم)، في اشارة منه الى انها لا يمكن ان تعود الا على جثث البيشمركة”. وتابع الابراهيمي أن “بارزاني استغل الدستور الذي منح صلاحيات كثيرة للاقليم من خلال ترجيحات رأي الاقليم في حال حصول خلاف بينه وبين الحكومة المركزية، فسمح لنفسه بالتمدد وجعل جميع الصلاحيات مرتبطة به كما كان يحصل ابان النظام السابق، اضافة الى تجاوزه على برلمان الاقليم نفسه وطرد اعضاء الاحزاب المعارضة التي طلبت منه التنحي بعد اكماله عامين من رئاسته للاقليم حسب الاتفاق المبرم بينهم”، وألمح الابراهيمي ان “توزيع سلطة رئيس الاقليم الفاقد للشرعية مسعود بارزاني جاء متاخرا جدا”، مستدركاً بأن “بارزاني ما دام جاء بعلاج يمكن ان ينهض بالاقليم وينقله الى مرحلة جديدة فلا بأس في تطبيقه افضل من بقاء الخطأ على حاله”.
رأي الاتحاد الوطني إلى ذلك، قال رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني النيابية أريز عبدالله: إن “رحيل رئيس الاقليم مسعود بارزاني عن الحكم سيسهم في حل إشكاليات سياسية معقدة في اقليم كردستان وايضا انفراج الازمة مع بغداد”، وأضاف أن “الاطراف السياسية في بغداد ستكون أكثر انفتاحا في المرحلة المقبلة وستسهم في مساعدة الإقليم سياسيا واقتصاديا لتجاوز أزمته الحالية”، مبينا أن “المفاوضات مع بغداد بشأن الاستفتاء والموازنة وغيرها وصلت الى مراحل متقدمة وستكون تنحية بارزاني فرصة لدفع المفاوضات الى الامام لابرام اتفاق جديد”، وأشار عبد الله، إلى أن “مدة حكم بارزاني شهدت توترا في العلاقات بين الاحزاب السياسية الكردية وتصاعد الاصوات المنادية بتنحيته كحركة التغيير والجماعة الإسلامية واطراف في الاتحاد الوطني”.
مواقف الجماعة الإسلامية بدوره، قال عضو المكتب السياسي للجماعة الاسلامية الكردستانية محمد حكيم إن مشروع قرار توزيع صلاحيات رئاسة الإقليم معد من قبل الحزبين الكرديين الديمقراطي والاتحاد الوطني، ويتلخص بتمديد عمر البرلمان 8 اشهر لحين اجراء انتخابات جديدة وتجميد صلاحيات رئيس الاقليم المنتهية ولايته. واضاف حكيم في تصريح خص به “الصباح”، ان “الصلاحيات ستوزع بين رئيس الحكومة ومجلس القضاء والبرلمان”، مبيناً أن “نواب الجماعة والتغيير شاركوا بملاحظاتهم على هذا المشروع لأن غالبية الصلاحيات ستعود الى رئاسة الحكومة”، وأكد حكيم ان “برلمانيي كردستان من الحزبين رأوا أن يكون توزيع الصلاحيات وفق مدد زمنية عادلة وحسب الاختصاص”، معتبراً ان “تلك الخطوة جاءت متأخرة وكان يجب ان تكون قبل عامين بعد ان انتهت ولاية بارزاني في رئاسة الاقليم، واستمرار مطالباتنا بتغيير النظام في كردستان من رئاسي الى برلماني”. اما القيادي في الجماعة الاسلامية شوان رابر فقد اعتبر تنحي مسعود بارزاني عن السلطة خطوة جديدة لكي لا يمارس بعد ذلك صلاحيات زائدة من قبله، وهو يأتي بعد فقدان المكتسبات التي حصل عليها الاقليم بعد 2003. واضاف رابر في تصريح خص به “الصباح”، ان “كل ما حصل بعد يوم 25 ايلول واستفتاء استقلال الاقليم؛ تسبب بضغوط داخلية من قبل الاحزاب والشعب على الصعيد الداخلي في حين قررت دول الجوار والدول الاقليمية والاوروبية مقاطعة الاقليم بعد ان اهمل بارزاني كل دعوات النصح لالغائه او تأجيله الى اشعار آخر، وبدأت تلك الدول تقف الى جانب الحكومة الاتحادية لفرض سلطتها القانونية فوق كل الاراضي العراقية”. وألمح رابر الى أن “الاقليم بعد فعاليته تلك اصبح ضعيفاً ومنقطعا عن العالم الخارجي وفقد بارزاني هيمنته على كردستان وعلاقته مع الدول الكبرى”، منوهاً بان “الدول بدأت تبحث عن بديل للتعامل معه بعد ان ضعف دوره، كما ان بغداد ترفض التعامل مع كردستان ببقاء بارزاني، مما حدا به الى توزيع سلطاته والدفع بنيجرفان بارزاني ليكون بديلا عنه”، وتوقع رابر أن تتجه “الاوضاع في كردستان نحو التهدئة والتحسن والاستقرار على اعتبار ان بغداد يمكن ان تتعامل مع نيجرفان بارزاني الذي يمكن ان يرضى بتجميد نتائج الاستفتاء وفتح صفحة جديدة مع الحكومة الاتحادية”. على صعيد متصل، قال القيادي في الجماعة الإسلامية سليم كويي في حديث لـ “الصباح”: “نأمل أنه بعد تنحي بارزاني عن السلطة ان تسير الامور بشكل جيد لاسيما مع الحكومة الاتحادية، وان تبشر المرحلة القادمة بالخير وان تعود المفاوضات والحوارات الى مسارها الصحيح بما يخدم مطالب الشعب الكردي وحل جميع المشاكل والمتعلقات مع الحكومة الاتحادية”، واضاف، ان “المرحلة المقبلة مهمة جدا وتعتبر بداية جديدة لجميع القوى والاحزاب الكردية لاسيما مع قدوم الانتخابات بعد 8 شهور ومن الضروري العمل على الكثير من الامور داخل الاقليم بما يخص الوزارات والمؤسسات الحكومية والامنية وضرورة حل جميع المشاكل والمعوقات الداخلية من اجل تخطي ما كان موجودا في السابق والتقدم بشكل صحيح، ونأمل أن تكون الانتخابات القادمة نزيهة وتتسم بالديمقراطية”. أما النائب عن الجماعة الاسلامية احمد حمه رشيد، فقال: إن “الهدف من تقديم بارزاني استقالته من منصبه هو للمناورة السياسية وتحويل العار الذي لحق بمدة حكمه إلى انتصار سياسي له”، واضاف، أن “المدة الدستورية انتهت ولم يعد لبارزاني اي وجود سياسي وتقديمه الاستقالة ليس فضلا منه على شعب كردستان”، مؤكدا أن “ما جرى من تبعات بعد إجراء الاستفتاء وخسارة المكاسب الكردية ووقوع خسائر بشرية يتحملها بارزاني قانونيا واخلاقيا”. من جانبه، توقع عضو مجلس النواب عن الاتحاد الاسلامي الكرستاني جمال كوجر ان تسير الامور في الاقليم نحو التهدئة. وبين كوجر في تصريح خص به “الصباح”، أن “المحافظة على المكتسبات ورفض ان تكون هناك ادارتان للاقليم وضرورة توحيد الصف الداخلي هي اهم المقومات التي تجعل من اقليم كردستان متماسكاً خلال المرحلة المقبلة”، موضحاً ان “الحوار مع بغداد امر لا بد منه بعد ان قرر الاقليم تجميد نتائج الاستفتاء ولم يتبن العودة الى الامور الخلافية بينه وبين بغداد للتوصل الى قناعات يمكن ان ترضي الطرفين بما يخدم مصالحهما”.
رؤية بغدادية وفي ردود الفعل والمواقف السياسية إزاء خطوة بارزاني بالتنحي وتوزيع صلاحياته، قال حزب الدعوة الإسلامية في تصريح مقتضب: إن “قرار رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني بالتنحي عن منصبه خطوة نحو الحل”، وأضاف عضو حزب الدعوة حسين الدراجي، أن “بعض الأحزاب في الإقليم أدركت خطورة الأزمة الحالية، وعملت على تفكيكها تحاشياً للأسوأ”. من جانبه، دعا تيار الحكمة الأحزاب الرئيسة في اقليم كردستان إلى التكاتف ووضع خارطة طريق جديدة للازمات السياسية التي تسبب بها مسعود بارزاني. وقال رئيس كتلة الحكمة النيابية حبيب الطرفي: إن “سياسة مسعود بارزاني الاستفزازية في المنطقة أدت الى كوارث اقتصادية وسياسية لا يمكن تجاوزها بسهولة في إقليم كردستان وعلى الأحزاب السياسية العمل على ازالة تبعات حقبة الماضي بالتعاون مع الحكومة الاتحادية”، وأضاف أن “الحكومة الاتحادية منحت المواطن الكردي العراقي امتيازات لا يمكن تحقيقها لمواطن كردي في دول الجوار وهذا ما لم يعترف به بارزاني مطلقا بل عمد على تحشيد البيشمركة والشارع على القوات المسلحة الاتحادية واجرى استفتاء احادي الجانب تسبب بأزمة تاريخية للكرد”. وأوضح الطرفي، أن “الغاء الاستفتاء ونتائجه وتبني خارطة طريق وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الحكومة الاتحادية وفق الدستور ستضمن انتهاء الأزمة في الإقليم”، مرجحا “تحسن العلاقات بين بغداد واربيل خلال الايام المقبلة بعد تنحي بارزاني”. بدوره، أكد النائب عن التحالف الوطني منصور البعيجي، أن “مسعود بارزاني يتحمل ما وصل إليه اقليم كردستان من اضطرابات سياسية”، وقال في تصريح صحفي أمس الاثنين: إن “القوات الامنية في أربيل تابعة لبارزاني وهو من يتحمل مسؤولية ما وصل اليه الاقليم وهو من سمح بدخول المتظاهرين أمس الأول الأحد لبرلمان كردستان”، وأضاف ان “بارزاني شخصية دكتاتورية، واراد التفرد برأيه وفرضه على الشعب العراقي والكردي وهو لا يحترم الدستور والقانون وهو أول من خالفهما، ولا نعتقد انه ستتم محاسبة من اقتحم واعتدى على برلمان الاقليم”.