أوديسا الفساد
بقلم: صادق كاظم
حلمنا وبعد ان واتتنا فرصة ذهبية في العام 2003 بسقوط دولة الصنم بأن نصبح دولة مزدهرة ومستقرة ننعم فيها بالرفاهية والأمن, بل وبنينا مدنا جميلة من الرمال تخيلنا فيها ناطحات السحاب تغفو على ذراع دجلة وقطارات تداعب السحب بسرعتها كما تخيلنا مسؤولين كبارا يذهبون الى مقراتهم الحكومية بدراجاتهم الهوائية وموظفين يبتسمون بوجهك دائما وينزعجون اذا لم تبادلهم الابتسامة، ينجزون لك ما تريد بدقائق من دون عناء مع كلمة شكر بسيطة.
تمنينا ان تملأ المسارح وقصور الثقافة والمطابع والكتب الانيقة ارصفة الشوارع واحياء المدن وان يصبح العراق بلد المليون اديب وشاعر وكاتب. تخيلنا ان مصانعنا القديمة والمنهكة ستتحول الى مدن صناعية تنتج لنا اجود السلع من دون ان نستورد شيئا وان اراضينا البور ستصبح واحات وبساتين حتى تعود ارض السواد الى سابق مجدها. توهمنا اننا سنصبح اثرياء من البترول الذي تفيض به بلادنا وسنجلس في القصور المملوءة ماسا وحريرا.
كل هذا الذي تخيلناه عاد واصبح وهما, حين زحفت جيوش الفساد باسم السياسة والمحاصصة والحزبية لتلتهم الدولة وثرواتنا وتتحول الى وحش ضار ما زال ينشب مخالبه في اجسادنا الجريحة. كانت الاثنا عشر عاما الماضية كافية لتحويل العراق الى فردوس سياسي واقتصادي مذهل في المنطقة, لكن الذي حصل ان التجربة غرقت في تسونامي من الارهاب والاخطاء والصراعات والمناكفات التي حولت عملية ادارة الثروة الوطنية وتوزيعها الى كارثة حقيقية تسببت بإهدارها وتبديدها, حتى أصبحت ازماتنا ليست اختلافا حول طريقة ادارة مؤسسات الدولة وهويتها, بل اصبحت كهرباءً ومياه شرب وبطالة بأرقام جنونية متصاعدة ومدن صفيح تحاصر المدن الكبيرة بأحزمتها البائسة.
الثروة ضاعت حين ابتكر المسؤولون والساسة لأنفسهم تشريعات وقوانين تسمح لهم بالحصول على مرتبات خرافية اثناء وبعد الخدمة واحتكار مؤسسات ووزارات بأكملها لهم ولأقاربهم حتى أصبحنا نصطدم بجيل ثانٍ من ابناء المسؤولين واقاربهم يصعد بهدوء لالتهام مؤسسات الدولة وإكمال مهمة الفساد.
تراكم الفساد والأخطاء شجع الارهاب وزاد من قدراته, حين أصبح الإرهابيون بأموالهم ونفوذهم ينامون في سجون مكيفة ومريحة بينما ينام ذوو ضحاياهم على الارصفة, بل ان حتى مفاتيح السجون كانت في جيوبهم يخرجون منها متى يشاؤون, كما ان الفساد استحوذ حتى على اقدس قضية وهي امن البلاد, حين شجعت اللامبالاة بدماء الضحايا على صدور قوانين تعطل تنفيذ حكم الاعدام بالإرهابيين.
الفساد اصبح كابوسا لنا, حين تحولنا الى دولة تبدد ثروتها بإصرار عجيب فلا مصانع ولا مزارع ولا صناديق تحفظ الاموال وتستثمرها في الخارج وتتحصن بها من عاديات الزمان ولا مسؤولون قانعون وزاهدون يكتفون برواتب بسيطة ولا احزاب لا تزج بكوادرها الفاشلة في مؤسسات الدولة لتحيلها ركاما وخرابا او جيشا ومؤسسات امنية يجبر افرادها على التنازل على نصف مرتباتهم لصالح هذا القائد او ذاك المسؤول ليصبحوا لاحقا جنودا فضائيين لتسقط لاحقا المدن والقرى بأيدي الارهابيين والمجرمين لعدم وجود من يدافع عنها.
هذا الفساد المعروف والمشخص قد تم السكوت عنه بشكل غريب, بل ان منظومات اعلامية وسياسية وحزبية كانت تتحرك بمهارة لتدافع ببسالة عن الوزراء والمسؤولين الفاسدين لتلميع صورتهم وتجميلها ومنع التعرض لهم قضائيا.
لقد كانت المبالغ الطائلة التي توفرت من عائدات النفط كافية لتنمية العراق وتطوير قطاعاته الاقتصادية المتنوعة وجعله بلدا ثريا كأقرانه من دول الريع النفطية في الخليج. لقد أرهقنا الفساد ماليا وسياسيا وامنيا وهو ينذر بكوارث خطيرة ان لم يتم التصدي له ومواجهته والكشف عنه وإعادة النظر بالطريقة التي تدار بها مؤسسات الدولة حاليا وتشريعات الرقابة بها واعادة اشراك القطاع الخاص بقوة في ادارة بعض مؤسسات الدولة كقطاع الكهرباء والصناعة لتخفيف العبء عن كاهل الدولة في الانفاق, اضافة الى تطوير المؤسسات الرابحة كقطاع الطيران والاتصالات من اجل زيادة العائدات.
هناك العديد من دول المنطقة قد عملت بذكاء على عدم ربط مصير اقتصادها بالنفط وحده, اذ عملت على تنمية قطاعاتها الصناعية والزراعية وجعلها مكتفية ورابحة فإيران حققت العام الماضي ورغم العقوبات المفروضة عليها عائدات بلغت 100 مليار دولار من تصدير سلع ومنتجات غير نفطية وحصرت عائداتها من البترول بـ30 المئة فقط وكذلك السعودية وقطر والامارات وحتى فنزويلا، ولكن هذا الامر لم نقم به للأسف.
إن الفساد ظاهرة خطيرة اذا اطلق العنان لها وسمح لها بأن تنمو وتترعرع فان العراق سيصبح بعد سنوات دولة فقيرة ومثقلة بالديون ووضعه اشبه بوضع موريتانيا او موزمبيق.
حلمنا وبعد ان واتتنا فرصة ذهبية في العام 2003 بسقوط دولة الصنم بأن نصبح دولة مزدهرة ومستقرة ننعم فيها بالرفاهية والأمن, بل وبنينا مدنا جميلة من الرمال تخيلنا فيها ناطحات السحاب تغفو على ذراع دجلة وقطارات تداعب السحب بسرعتها كما تخيلنا مسؤولين كبارا يذهبون الى مقراتهم الحكومية بدراجاتهم الهوائية وموظفين يبتسمون بوجهك دائما وينزعجون اذا لم تبادلهم الابتسامة، ينجزون لك ما تريد بدقائق من دون عناء مع كلمة شكر بسيطة.
تمنينا ان تملأ المسارح وقصور الثقافة والمطابع والكتب الانيقة ارصفة الشوارع واحياء المدن وان يصبح العراق بلد المليون اديب وشاعر وكاتب. تخيلنا ان مصانعنا القديمة والمنهكة ستتحول الى مدن صناعية تنتج لنا اجود السلع من دون ان نستورد شيئا وان اراضينا البور ستصبح واحات وبساتين حتى تعود ارض السواد الى سابق مجدها. توهمنا اننا سنصبح اثرياء من البترول الذي تفيض به بلادنا وسنجلس في القصور المملوءة ماسا وحريرا.
كل هذا الذي تخيلناه عاد واصبح وهما, حين زحفت جيوش الفساد باسم السياسة والمحاصصة والحزبية لتلتهم الدولة وثرواتنا وتتحول الى وحش ضار ما زال ينشب مخالبه في اجسادنا الجريحة. كانت الاثنا عشر عاما الماضية كافية لتحويل العراق الى فردوس سياسي واقتصادي مذهل في المنطقة, لكن الذي حصل ان التجربة غرقت في تسونامي من الارهاب والاخطاء والصراعات والمناكفات التي حولت عملية ادارة الثروة الوطنية وتوزيعها الى كارثة حقيقية تسببت بإهدارها وتبديدها, حتى أصبحت ازماتنا ليست اختلافا حول طريقة ادارة مؤسسات الدولة وهويتها, بل اصبحت كهرباءً ومياه شرب وبطالة بأرقام جنونية متصاعدة ومدن صفيح تحاصر المدن الكبيرة بأحزمتها البائسة.
الثروة ضاعت حين ابتكر المسؤولون والساسة لأنفسهم تشريعات وقوانين تسمح لهم بالحصول على مرتبات خرافية اثناء وبعد الخدمة واحتكار مؤسسات ووزارات بأكملها لهم ولأقاربهم حتى أصبحنا نصطدم بجيل ثانٍ من ابناء المسؤولين واقاربهم يصعد بهدوء لالتهام مؤسسات الدولة وإكمال مهمة الفساد.
تراكم الفساد والأخطاء شجع الارهاب وزاد من قدراته, حين أصبح الإرهابيون بأموالهم ونفوذهم ينامون في سجون مكيفة ومريحة بينما ينام ذوو ضحاياهم على الارصفة, بل ان حتى مفاتيح السجون كانت في جيوبهم يخرجون منها متى يشاؤون, كما ان الفساد استحوذ حتى على اقدس قضية وهي امن البلاد, حين شجعت اللامبالاة بدماء الضحايا على صدور قوانين تعطل تنفيذ حكم الاعدام بالإرهابيين.
الفساد اصبح كابوسا لنا, حين تحولنا الى دولة تبدد ثروتها بإصرار عجيب فلا مصانع ولا مزارع ولا صناديق تحفظ الاموال وتستثمرها في الخارج وتتحصن بها من عاديات الزمان ولا مسؤولون قانعون وزاهدون يكتفون برواتب بسيطة ولا احزاب لا تزج بكوادرها الفاشلة في مؤسسات الدولة لتحيلها ركاما وخرابا او جيشا ومؤسسات امنية يجبر افرادها على التنازل على نصف مرتباتهم لصالح هذا القائد او ذاك المسؤول ليصبحوا لاحقا جنودا فضائيين لتسقط لاحقا المدن والقرى بأيدي الارهابيين والمجرمين لعدم وجود من يدافع عنها.
هذا الفساد المعروف والمشخص قد تم السكوت عنه بشكل غريب, بل ان منظومات اعلامية وسياسية وحزبية كانت تتحرك بمهارة لتدافع ببسالة عن الوزراء والمسؤولين الفاسدين لتلميع صورتهم وتجميلها ومنع التعرض لهم قضائيا.
لقد كانت المبالغ الطائلة التي توفرت من عائدات النفط كافية لتنمية العراق وتطوير قطاعاته الاقتصادية المتنوعة وجعله بلدا ثريا كأقرانه من دول الريع النفطية في الخليج. لقد أرهقنا الفساد ماليا وسياسيا وامنيا وهو ينذر بكوارث خطيرة ان لم يتم التصدي له ومواجهته والكشف عنه وإعادة النظر بالطريقة التي تدار بها مؤسسات الدولة حاليا وتشريعات الرقابة بها واعادة اشراك القطاع الخاص بقوة في ادارة بعض مؤسسات الدولة كقطاع الكهرباء والصناعة لتخفيف العبء عن كاهل الدولة في الانفاق, اضافة الى تطوير المؤسسات الرابحة كقطاع الطيران والاتصالات من اجل زيادة العائدات.
هناك العديد من دول المنطقة قد عملت بذكاء على عدم ربط مصير اقتصادها بالنفط وحده, اذ عملت على تنمية قطاعاتها الصناعية والزراعية وجعلها مكتفية ورابحة فإيران حققت العام الماضي ورغم العقوبات المفروضة عليها عائدات بلغت 100 مليار دولار من تصدير سلع ومنتجات غير نفطية وحصرت عائداتها من البترول بـ30 المئة فقط وكذلك السعودية وقطر والامارات وحتى فنزويلا، ولكن هذا الامر لم نقم به للأسف.
إن الفساد ظاهرة خطيرة اذا اطلق العنان لها وسمح لها بأن تنمو وتترعرع فان العراق سيصبح بعد سنوات دولة فقيرة ومثقلة بالديون ووضعه اشبه بوضع موريتانيا او موزمبيق.